زراعـة الأعضـاء .. حلـم قتلتـه اللامبـالاة

38serv

+ -

أدرج ملف زراعة الأعضاء من الشخص الميت إلى الحي في الجزائر، في أجندة كل الوزراء المتعاقبين على قطاع الصحة في السنوات الأخيرة، وفي كل مرة يصاحب الحديث عن الملف صخب إعلامي كبير، لكن في الميدان تبقى المشاريع التي أعلن عنها في هذا المجال حبرا على ورق، بسبب سياسة الارتجال والفوضى التي يعرفها القطاع من جهة، ورفض العائلات من جهة أخرى التبرع بأعضاء موتاها التي تمثل طوق نجاة لآلاف المرضى، وفي انتظار تفعيل المركز المرجعي لزراعة الأعضاء من الميت للحي الذي أعلن عنه مؤخرا الوزير عبد المالك بوضياف،تبقى الإشكالية الحقيقية هل نحن جاهزون تقنيا لزراعة الأعضاء من الميت إلى الحي؟

 تسجل الجزائر 4000 طلب زرع للأعضاء في ظل عدم تفعيل فتوى رئيس المجلس الإسلامي الأعلى السابق المرحوم الشيخ أحمد حماني، الذي أجاز بزرع الأعضاء من ميت حديث الوفاة إلى حي لاستمرار حياته، ويرجع السبب إلى رفض عائلات الموتى للفكرة في ظل انعدام الثقة في مستشفياتنا وغياب ثقافة التبرع، إذ كيف لمن يرفض التبرع بدمه أن يتبرع بقطعة من جسم قريبه المتوفى؟عن إجازة استغلال حالات الموت الدماغي التي تحدث كثيرا خاصة فيما يتعلق بضحايا حوادث المرور وما أكثرهم عندنا، يمكن لأهالي المتوفى السماح بالتبرع ببعض أعضائه لإنقاذ حياة أشخاص، عملا بفتوى مجمع الفقه الإسلامي لمنظمة المؤتمر الإسلامي بالسعودية الصادرة في 1986 والمقرة بأنه “إذا تعطلت جميع وظائف دماغ الشخص تعطلا نهائيا وحكم الأطباء بأن هذا التعطّل لا رجعة فيه، يمكن اعتماد أعضائه لإنقاذ حياة شخص آخر شريطة القبول”.الفتوى لم تغيّر العقلياتوفي الجزائر صدرت سنة 2003 فتوى المرحوم الشيخ أحمد حماني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى السابق، نصت على أن نزع الأعضاء من الميت “مقبول شرعا ولا يعتبر إهانة للميت، وللحي أن يتبرع بنفسه أو يوصي بأن يستفاد من أعضائه بعد مماته ولوليّه أن يتبرع بذلك”، لتبرز نفس التعليمة الثواب الكبير الذي يناله المتسبب في إحياء نفس إنسانية، ودوّن ذلك كتابيا لكنه بقي بعيدا عن واقع الأمور، حيث ترفض العائلات الجزائرية التبرع بأعضاء موتاها وشعارها في ذلك “نحب الميت تاعي يروح مجمول لقبرو”.وحول هذه النقطة، تساءل البروفيسور رشيد بلحاج، رئيس مصلحة الطب الشرعي بمستشفى مصطفى باشا الجامعي لـ”الخبر” قائلا “إنه إذا كانت 99 بالمائة من العائلات الجزائرية ترفض حتى تشريح جثة ميتها فكيف بقبول نزع أعضائه” يحدث هذا في الوقت الذي ينتظر أكثر من 4000 شخص عمليات زرع لمختلف الأعضاء يتصدرها زرع الكلية، كون الجزائر تحصي 15000 مريض يخضع للغسيل الكلوي.وعن أسباب هذا الرفض، قال البروفيسور محمد غرينيك، رئيس مصلحة الاستعجالات بمستشفى مصطفى باشا الجامعي لـ”الخبر” “كيف لي أن أتحدث مع عائلة تنتظر شفاء ابنها الذي تعرّض لحادث مرور مثلا، عن إمكانية أخذ أحد أعضائه لأنه ثبتت وفاته إكلينيكيا، وكيف لي أن أتحدث مع مختصين في القلب والكلى عن إمكانية أخذ أعضاء ذات الشخص، وسط مجتمع تغيّر كثيرا وبات العنف هو الغالب عليه”، فرغم ثبوت الفتوى التي تعتبر المرجع الديني الذي نعتمد عليه في هذه المسألة، لا يمكننا الاعتماد عليها في ظل رفض الجزائريين للمبدأ من أصله.تراجع إلى الوراءيحدث هذا في الوقت الذي كانت تعرف بعض مستشفياتنا ازدهار عمليات الزرع منذ 30 سنة مضت، وعن هذه المسألة أكد البروفيسور جنّاس اختصاصي في جراحة الأعصاب، أن الجزائر تراجعت كثيرا إلى الوراء عوض أن تخطو للأمام. موضحا “منذ 40 عاما مضت عندما كنت طبيبا مقيما بمستشفى مصطفى باشا الجامعي، كان المختصون في أمراض العيون يقصدون مصلحة الجثث لأخذ قرنيات من الموتى لزرعها، واليوم لا شيء من هذا القبيل يحدث”.وفي ذات السياق، يشار إلى أنه في 1996 بادر المجلس الوطني لأخلاقيات علوم الصحة، وهو هيئة استشارية متعددة القطاعات كانت تشرف عليها وزارة الصحة والسكان وتتكون من ممثلين عن عدة قطاعات، منها التعليم العالي وقطاع الشؤون الدينية والأوقاف، إلى إصدار توصيات، منها تلك الخاصة بالنصوص القانونية والتنظيمية التي من شأنها تحسيس المواطن بمسألة أخذ وزرع الأعضاء البشرية من ميت إلى حي. وعلى هذا الأساس تمت الموافقة التي سعت بموجبها وزارة الصحة إلى وضع مشروع نص خاص بالسماح بأخذ وزرع الأعضاء البشرية ومنها قرنية العين من الجثث دون الموافقة المسبقة، غير أن استشارة أولية لدى المجلس الإسلامي الأعلى لقيت تحفظا وفتورا، ليبقى الأمر معلقا.الدين يحترم الإنسان حيا أو ميتا“قال البروفيسور محمد بن رضوان، وزير الشؤون الدينية الأسبق، إن الدين يحترم الإنسان حيا وميتا، موضحا أن زرع الأعضاء إجراء علاجيا يلجأ إليه فقط عند الحاجة، وإذا رفضه الشخص في حياته يتوجب احترام ذلك.واعتبر محدثنا أن فقدان الجزائري الثقة في المؤسسات الصحية من أسباب تأخر تقبل العملية، موضحا “فالأب الذي ينقل ابنه الذي تعرّض لحادث مرور لا يتقبل بسهوله فكرة موته، ويظل الشك يساوره في عدم قيام الأطباء بكل جهودهم لإنقاذ حياته، فكيف يطلب من ذات الأب التبرع بأعضاء فلذة كبده”.وأوضح البروفيسور بن رضوان أن الأهم يكمن في ترسيخ ثقة الجزائري بالطبيب والممرض بالمستشفى، مع تكييف مؤسساتنا الصحية لاحتضانها عمليات زرع تتم في حال الموت الدماغي، مع توفير “البلاطو التقني” المرافق لعمليات ثقيلة كهذه، وإجادة إخبار أهل الشخص المتوفى وتحضيرهم نفسيا لقبول الفكرة، ليقترح خبراء الصحة الاستعانة بنفسانيين يتولوا محاولة الإقناع، مع وجوب احترام جثة الميت بعد نزع العضو وإعادتها في احترام وأخلاقيات متفق عليها إلى العائلة، وإن تم احترام هذه الأمور، عندها فقط يمكننا الحديث عن زرع للأعضاء من ميت إلى حي بالجزائر.بوضياف يتعهّد بانطلاقه عن قريبمركز مرجعي لزراعة الأعضاء بمستشفى مصطفى باشا

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات