من المؤكد أن أحد المتاعب الأمنية للسلطة في الجزائر هو سوء تسييرها للمعلومة الأمنية! حتى باتت عملية سوء تسيير المعلومة الأمنية في حد ذاتها مساسا بأمن البلد!هل يعقل أن يعلن للناس والرأي العام أن مصالح الأمن الجزائرية ألقت القبض على جاسوس برتبة نائب سابق يعمل لصالح المخابرات الإسبانية، لأن زوجته بلّغت عنه؟! ماذا لو لم يختلف هذا الجاسوس مع زوجته؟! وماذا لو لم تكن زوجة هذا النائب لها حس وطني؟! هل يعقل أن المخابرات الإسبانية يمكن أن يصل بها الغباء المهني وتتعامل مع جاسوس دولي يكشف أسراره إلى زوجته؟!أساتذتنا في الإعلام وفي الخدمة الوطنية علمونا في الستينيات أن الجاسوس ورجل الأمن والصحافي ثلاثتهم رفقاء الدراسة.. لأنهم يتعاملون مع المعلومة السرية وغير السرية! وقالوا لنا إن الجاسوس الناجح هو الذي يخفي أسراره حتى عن عائلته! فكيف يكون الجاسوس الدولي البرلماني السابق هذا مكشوفا أمام زوجته؟!إقحام الزوجة في حكاية إلقاء القبض على هذا الجاسوس، وإعلان ذلك للرأي العام، يعطي الانطباع بأن الأمر فيه مكيدة عائلية وتصفية حسابات في علاقة زوجية فشلت وليست جوسسة موصوفة!غرابة معالجة الأمور الإعلامية الأمنية بهذه الطريقة ليس أسوأ منها غير نشر أخبار أمنية تتعلق باكتشاف مخازن أسلحة داخل التراب الوطني، دون اكتشاف من خزنها! وكان المفروض أن اكتشاف هذه المخازن للأسلحة يكون مصاحبا لاكتشاف من خبّأها! ومن البديهي أن مصالح الأمن عندما تكتشف مخبأ للأسلحة ولا تكتشف صاحب المخبأ، عليها أن تضع مراقبة للمخبأ على مدار الساعة لضبط صاحبه.. وإلا فإن مصادرة هذه الأسلحة وبقاء صاحبها حرا طليقا لا معنى له! وإذا ألقي عليه القبض ولم يعلن عنه لدواع أمنية تتعلق بالتحقيق ومواصلة البحث، فإن الإعلان عن مصادرة الأسلحة يصبح لا معنى له إعلاميا! ويؤدي الإعلان عنه إلى مضار أمنية أكثر من النفع!وكمثال على مضار مثل هذه الأخبار غير المدروسة إعلاميا، هو الحديث عن مصادرة قوات الأمن للأسلحة، سواء بعد تصفية الإرهابيين، أو دون تصفيتهم، بأنها “استرجعت” هذه الأسلحة وليس مصادرتها، مثل هذا القول هو الذي أدى إلى متاعب إعلامية للبلاد، فظهرت حكاية “من يقتل من”، بناء على القول أن قوات الأمن استرجعت الأسلحة ولم تصادرها؟!الإعلام يا ناس دقة، والكلمة في كالطلقة من السلاح، إذا لم تصوّب كما يجب إلى الهدف، تنبه العدو وتحذره أكثر مما تضره.. ومثلما يوجد الرمي “الفيشينك”، يوجد أيضا الإعلام “الفيشينك”... وأحسب ما ذكرته أعلاه هو من قبيل الإعلام “الفيشينك”، الذي يضر ولا ينفع، لأنه يزيد في المتاعب الأمنية للبلاد.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات