هاقد وقع المحظور، وتوفي الصحفي تمالت في ظروف أحاط بها الغموض. فحين سجن ودخل في غيبوبة، كتبت رسالة للرئيس بوتفليقة في هذا العمود أحذر من خطورة ما قد يقع. وكنت شبه متأكد من أن الرسالة لن تصل إلى الرئيس، لأن الجهات التي اعتقلت هذا الصحفي باسم الرئيس هي جهات نافذة، وباستطاعتها أن تخفي الحقيقة عن الرئيس، مثلما اعتقلته باسم الرئيس وسجنته.اليوم تحاول الجهات نفسها التعتيم الإعلامي عن خبر الوفاة، في حركة ضغط على وسائل الإعلام لمنع معالجة الخبر، وترك وسائل التواصل الاجتماعي وحدها تقوم بالمهمة. وهو تصرف يعكس عدم دراية القائمين على الإعلام في السلطة، بشكل كاف، بمقتضيات العمل الإعلامي حتى في جانبه الذي يخدم السلطة. فالحظر الإعلامي البائس يمكن أن يقوي صدقية وسائل التواصل الاجتماعي على حساب ما تبقّى لوسائل الإعلام الوطنية من مصداقية. زيادة على أن الحظر من شأنه أن يقوي الشكوك المثارة حول ملابسات وفاة هذا الصحفي عشية الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان. المعالجة الحقيقة التي تصون أمن البلاد تتطلب الآتي:1- تسليط الضوء بتحقيق جدي وجاد في الجهة أو الجهات التي أعطت لمحمد تاملت ضمانات بعدم ملاحقته إذا دخل إلى الجزائر.. وبالتالي استدراجه من بريطانيا حيث يقيم للإيقاع به مع سبق الترصد، خاصة إذا كانت هذه الجهات مسؤولة!2- تسليط ضوء التحقيق حول الجهة التي اعتقلته، خاصة وأن المعني لم يعتقل في المطار عند دخوله، لأنه لم يكن متابعا قضائيا. وبالتالي، فإن الذين اعتقلوه لابد أن يحددوا مسؤولية من أعطاهم الأمر باعتقاله خارج إطار القانون. وبالتأكيد، فإن الآمر بالاعتقال ليس هو رئيس الجمهورية الذي سجن باسمه. والدليل على ذلك، أن المواد التي توبع بها المعني وسجن تم تكييفها في جلسة المحاكمة وليس في جلسات التحقيق على مستوى من اعتقله أو حتى النيابة. فهل ما حدث كان خطأ قضائيا أم كان تصفية حساب مع المعني باسم الرئيس واستخدمت في القضية حتى العدالة؟3- تسليط الضوء على حكاية الاعتداء عليه بالضرب، وأن يقدم للرأي العام حقيقة نتائج التحقيق التي قالت مصالح السجون والعدالة إنها فتحته في الموضوع منذ أسابيع إثر شكوى تقدمت بها عائلة المتوفى. كما يجب أن يعرف الرأي العام ملابسات نقله من سجن الحراش إلى سجن القليعة، وحكاية منع عائلته ومحاميه من الزيارات.4- يخطئ من يعتقد أنه بإمكانه أن يخفي حقيقة ما حدث بالحظر الإعلامي عن طريق التسيير الأمني لملف الراحل.. فالعلاج الحقيقي والفعال لصون أمن البلاد من تحول هذه القضية إلى ما لا تحمد عقباه، هو قول الحقيقة كاملة، وإنصاف المرحوم على الأقل وهو ميت، وأن يحدث هذا قبل فوات الأوان، وأن يتم الأمر بذلك على أعلى مستوى ممكن، وأن ما يرتكب من أخطاء في تسيير الملف يزيد من التعقيدات والشكوك ولا يحل المشكلة.لنجعل من وفاة تاملت مناسبة لإطلاق سراح كل المساجين بسبب آرائهم، وخاصة الذين حكم عليهم بأحكام مشبوهة قانونا، حتى لا يتحول تاملت محمد إلى زبانة الصحافة الوطنية. فالمرحوم توفي في السجن بسبب آرائه، وحتى ولو كانت متطرفة فهي آراء... والسلطة مسؤولة عن وفاته مسؤولية كاملة، لأنها لم تستطع حماية حياته في السجن.. فلماذا إذن تسجنه؟!
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات