الموهبة قد تكون عند كل أحد.. تستطيع أن تكون مدفونة وقد تكون ظاهرة أمام الجميع.. فالمعاقون وذوو الاحتياجات الخاصة والمكفوفون تكون لهم مواهب وحواس أقوى من التي فقدوها.. فمنهم من يحب الغناء، وآخر هوايته العزف، وبعضهم يهوى التمثيل، لأن الهواية محصورة في العقل البشري، وذلك من خلال الخلايا والخيال والذكاء والذاكرة، وهذه موجودة عند كل إنسان.وكي يتم نضج الموهوب من ذوي الاحتياجات الخاصة ويصل إلى المستوى الفني الرفيع لابد من التزود بالثقافة النظرية، بالإضافة إلى التطبيقات العملية، كما يجب أن تكون لديه صفات ومفاهيم دقيقة عن معنى الاحتراف، لأنه لا يوجد فرق بين الإنسان العادي الموهوب والموهوب ذو الاحتياجات الخاصة.. كلاهما يجب أن تكون لديه مواصفات جادة.. فالموهوب الذي لا يبالي بالمواد النظرية، من فلسفة وعلم جمال وعلم نفس وثقافة فنية واجتماعية وسياسية، فإنه في الحقيقة يحد من إمكانياته الإبداعية.وعلى الموهوب أن يكون نموذجا يحتذى به ومعلما للجمهور، لأن المنصة التي يقف عليها هي مدرسة الإعاقة الجسدية ولا تعيق المواهب الخلاقة، بل تدفعها إلى تحدي الذات والمضي في طريق النجومية والإبداع، لكن عليه أن يصقل موهبته ويؤطر من مختصين في المجال الفني، لكي يطور خياله وذكاءه بالممارسة.اكتشفت في التجربة التي قمت بها في عملي المسرحي “معاق ولكن” الكثير من المواهب الفنية غير العادية، لاسيما أن غالبية الطلاب كانوا أذكياء ومتميزين ولديهم الأحاسيس المرهفة في الذاكرة الانفعالية، والتخاطب بلغة العيون. وتبين لي أن المتدرب من ذوي الاحتياجات الخاصة أضحى قادرا على الغوص في سراديب العيون، وبإمكانه أداء كافة الانفعالات الحركية والجسدية التي تعبر عن الحزن والفرح أو الخوف والقلق بحرفية واقتدار.. استخدمت أساليب عدة لتدريب ذوي الاحتياجات الخاصة، بدءا من التعبير عن طريق الجسد ومرورا بالانفعالات الحركية، والانتقال من الفرح إلى الحزن، وصولا إلى التعبير عبر حركة الملامح والشفاه، والحقيقة أن المنافسة كانت على أشدها. التجربة كشفت عن ما تمتلكه هذه المواهب من طاقات دفينة، مبينة أن التخاطب عبر لغة الجسد أبلغ من الكلام، وأن ذوي الاحتياجات الخاصة عبّروا عما يختلج صدورهم من أحاسيس ومشاعر، بما لم يتمكنوا من التعبير عنه عبر اللسان.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات