+ -

جاء في الصّحيح أنّ ثوبان رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “لأعلمنّ أقواماً من أمّتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تُهامَة بيضاً فيجعلها اللّه عزّ وجلّ هباء منثوراً”، قال ثوبان: يا رسول اللّه: صِفهُم لنا جلهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: “أما إنّهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من اللّيل كما تأخذون، ولكنّهم أقوام إذا خلوا بمحارم اللّه انتهكوها”.❊ يشير سيّدنا المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم أنّهم يبتعدون عن المعصية ويتظاهرون بالصّلاح مراعاة للنّاس، وأمام أعينهم، وبمجرد ‏خلوهم بأنفسهم وغيابهم عن أعين النّاس سرعان ما ينتهكون حُرمات اللّه، فقد جعلوا ‏اللّه سبحانه وتعالى أهون النّاظرين إليهم، فلم يراقبوا ربّهم، ولم يخشوا خالقهم، كما يراقبون النّاس ‏وخشوهم.وتُسمّى هذه الذّنوب بـ«ذنوب الخلوات”، وهي آفات يُبتلَى بها بعض النّاس عندما تغيب عنهم الأنظار، فلا ينظرون إلى خالقهم سبحانه وتعالى، ولا يُبالون بنظر اللّه عزّ وجلّ لهم، ولا يستحون من اللّه تعالى، واللّه أحقّ أن يُستحَى منه سبحانه وتعالى، قال تعالى: {فَاللّه أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} التّوبة:13. وهذه الذنوب سبب للمُهلكات والبُعد عن اللّه عزّ وجلّ، وسبب للضّياع والهلاك والفناء.إن هذه الذّنوب الّتي تكون في الخلوات من أعظم المهلكات، ومحرقةٌ للحسنات، فاحذر أخي المؤمن أن يكون اللّه تعالى أهون النّاظرين إليك، تخالف أوامره، وتستجيب للشّيطان وداعيه، يقول الإمام سحنون المالكي: “إيّاك أن تكون عدوًّا لإبليس في العلانية صديقًا له في السرّ”. وذنوب الخلوات تميّزت عن سائر الذّنوب في أنّها عنوان لضُعف تعظيم اللّه سبحانه وتعالى، وعنوان لعدم إجلال اللّه عزّ وجلّ، ولذلك يقول سيّدنا عبد اللّه بن عبّاس رضي اللّه عنهما: “اعلم أنّ خوفك واضطراب قلبك عندما تحرّك الرّيح ستر بابك أعظم من الذّنب”. لقد مدح اللّه عزّ وجلّ عباده الّذين يعظّمونه ويخشونه خصوصًا إذا غابوا عن أعين النّاس: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمُ أَوْ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.إذا أغلقت دونك الباب وأسدلت على نافذتك السّتار وغابت عنك أعين البشر، فتذكّر مَنْ لا تخفى عليه خافية، تذكّر مَن يرى ويسمع دبيب النّملة السّوداء في اللّيلة الظّلماء على الصّخرة الصّمّاء، يقول العلاّمة ابن القيم: “أجمع العارفون باللّه أنّ ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات، وأنّ عبادات الخفاء هي أعظم أسباب الثبات”، فهل يفرّط موفق بصيد اقتنصه، وكنز نادر حَصَّله؟ فعليكم بإصلاح الخلوات، والصٍّدق مع اللّه عزّ وجلّ، لتجدوا بذلك اللّذة في المناجاة، والإجابة للدّعوات، وتذكّروا أنّ اللّه تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورِ}، وكونوا كهؤلاء الصّالحين الّذين تذكّروا اطلاع اللّه عليهم فامتنعوا من المعاصي، هذه امرأة يراودها رجل ويقول لها إنّنا في مكان لا يرانا فيه أحد فتقول: فأين اللّه؟ {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللّه يَرَى}.   

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات