+ -

لا يختلف فهم التوجهات السياسية الكبرى، والخيارات داخل أي نظام، وكيفية تسيير أمور الدول في تقلباتها وتغيّراتها، وتأثير كل العناصر المركبة لها، من نظام ومعارضة ومجتمع مدني ولوبيات مالية وقوى خارجية، عن محاولة فهم الأحوال الجوية، بالنظر إلى ارتباط كل ظاهرة طبيعية بأخرى، وتأثير كل ظاهرة في الأخرى، من رياح وحرارة وأمطار وغيرها، والكل مرتبط يبعضه. ومن بين الأدوات التي ما زال العلم يستخدمها، رغم تطوره، “البالونات الهوائية”، التي تستعمل لجمع المعلومات عن الجو والطقس، ولقياس الظروف الجوية في الطبقة العليا من الغلاف الجوي، حيث تحدد أجهزة الرصد موقع العواصف وحجمها وسرعتها واتجاهها. ينطبق الشيء نفسه على السياسة، فهناك البالونات السياسية، التي يستعملها النظام، أو طرف في النظام، أو المعارضة، أو أي جهة، لقياس مستوى الضغط والحرارة، والقبول والرفض، في الجهات المؤثرة في اتخاذ القرار، في أي دولة وفي أي نظام.  ونلاحظ أن النظام الجزائري الذي كان يعتمد على الشائعة في سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، كلما أراد أن يحدث أي تغيير أو يصدر قانونا، لتحديد التوجه العام، واتخاذ القرارات الصائبة، التي لا تحدث الزوابع أو تتوقع على الأقل ردة الفعل، قد تغيرت أدوات القياس عنده، بعد أن تعددت أطراف الصراع والتأثر والتأثير، التي اختلفت وتشابكت مصالحها، وأصبح الشعب الذي كان يقاس بالإشاعة آخر همّ هذا النظام، وما يهمّه أكثر هي الأطراف النافدة والقوى الأجنبية، خاصة لوبيات المال ورجال الأعمال والدول الأجنبية، التي تملك مصالح ضخمة مع الجزائر وفي الجزائر، لأن الخارج يتعامل مع الإشاعة من منطق أنها إشاعة حتى تثبت، أما تصريح مسؤول مهم أو أمين عام حزب نافذ وقوي، فيؤخذ بعين الاعتبار، وردود الفعل حوله لن تكون خفية. ونظرا لما سبق، تبنى النظام وأطرافا فيه بديلا عن الإشاعة ما أسميه “البالونات السياسية”، والتي تقوم بها بالأخص شخصيات سياسية أو حزبية، مهمتها إطلاق تصريحات مسؤولة ومدروسة لقياس الجو العام، ولم يجد النظام في السنوات الأخيرة، كـ«بالون سياسي” أحسن من الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني، والأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، لذلك تعددت تصريحاتهما وكانت قوية وأثارت جدلا كبيرا، حيث يتم إطلاق تصريحات ظاهرها “تخريف سياسي”، لكن في الواقع هي عبارة عن بالونات لقياس رد الفعل ومدى التقبل والرفض واحتمال وقوع الزوابع وتوقع مصدر العواصف واتجاه “الريح السياسية”.. يدخل في هذا الإطار التصريح الأخير للويزة حنون، الذي ناشدت فيه، السعيد شقيق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة التدخل لوضع حد للوبي المالي، الذي يخرب الجزائر، فما هو إلا “بالون سياسي” أرادت من خلاله جهات في النظام قياس مدى تقبل بعض الأطراف وجود السعيد كاسم سياسي وكقوة فاعلة في الدولة، ومحاولة إخراج اسم شقيق الرئيس من الظل إلى النور، أو من العمل تحت جبة الرئيس المريض، إلى العمل في النور، تحت أي مسمى. وإلا كيف نفسر دعوة أمين عام حزب له تمثيل في المجلس الشعبي الوطني، وهو الجهة المخولة لها محاسبة النظام على تبذير المال أو المساس باقتصاد الوطن، إلى السعيد بوتفليقة الذي لا يحمل أي صفة في الجهاز التنفيذي، سوى شقيق ومستشار الرئيس، إلا كونها اعتراف بوجوده ودوره ومحاولة إخراجه للرأي العام المحلي والعالمي بالأخص، ومحاولة معرفة مدى تقبل وجوده ودوره في التوازن داخل النظام والدولة .. كل ما حمله تصريح لويزة حنون هو محاولة إعطاء شرعية للتوريث الذي يرفضه الكثيرون، وتبقى الطريقة الوحيدة لتمريره هو رفع الستار عن الشقيق، وتقديمه على أنه المخلص والمنقذ، وبالتالي إن لم يحدث هذا التصريح أي هزات خارجية، فمحاولة هضمه داخليا ستكون سهلة، وقد تستعمل فيها نفس أساليب العهدة الرابعة، أن تدعموا السعيد بوتفليقة بالمال وإلا سيغلق أمامكم منافذ الاستثمار والاغتناء. لكن ما يخفى على النظام وعلى هذه الأطراف، أن البالونات التي تقيس تقلبات الجو في السماء، لا يمكنها أن تتوقع الزلازل في الأرض، فلا نملك أي جهاز يتوقع الزلازل، فهي مباغتة وصامتة ولا تفرق بين من هم فوق أو تحت.. إلا إذا اعتبرنا أن الحفر والبحث عن الغاز الصخري، هي إحدى طرق قياس الزلازل الممكنة.. كل شيء ممكن في الجزائر..

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات