38serv
نشرت صحيفة جزائرية واسعة الانتشار في موقعها الإلكتروني، الخبر الذي تضمن ما يلي: ّفنّدت جدّة النجم الكروي “كريم بن زيمة” ما روّجته الصحافة الفرنسية من كون نجل شقيقتها يمتلك خصلتي البخل وقطع صلة الرحم، مؤكدة تعاطفها مع مهاجم ريال مدريد، وأنها ليست بحاجة للمنحة المثيرة للجدل والمقدّرة بقيمة 1500 أورو شهريا.وقد علق بعض القراء على ما تضمنه هذا الخبر بجمل مقتضبة، مطالبين الصحافي أن يقنع نفسه أولا هل المعنية جدّة اللاعب الدولي كريم بن زينة أم خالته؟لا يمكن أن نعتبر هذا الخلط خطأ مطبعيا بسيطا أو سهوا في التعبير، لأنه لا يعد أول سقطة لهذه الصحيفة، فقد ارتكبت سقطا كثيرة قبلها. إذ نشر موقعها ذاته خبرا مفاده أن عائلة السجين الجزائري (ن.ح) المقيمة في بسكرة، أفادت أن سلطات دبي بالإمارات العربية المتحدة، قررت الإفراج عن ابنها (ن.ح) القابع في السجن منذ 15 عاما، بتهمة قتل مواطنة أوروبية بدبي. وقال حفيده حمزة للصحيفة: إن جدّي اتصل بنا 3 مرات مؤخرا، وأكد اقتراب موعد مغادرته السجن والعودة إلى أرض الوطن، بموجب قرار إفراج صادر عن سلطات دبي، استنادا إلى النصوص القانونية المعمول بها التي تنص على أحقية السجين المحكوم عليه لأكثر من المدة المذكورة في الإفراج إذا أثبت سلوكا حسنا خلال إقامته في المؤسسة العقابية، وهو ما ينطبق على الجزائري “ن. ح« الذي حقق نتائج جيدة في دراسته داخل السجن، حسب ما تكشف عنه كشوف نقاطه، التي أطلعنا عليها حفيده حمزة. هذا الأخير الذي أكد أن الإفراج الفعلي عن خاله، سيكون في غضون شهر ونصف على الأكثر، أي بعد إتمام 15 سنة كاملة. ولم يستبعد أن يتزامن الإفراج عنه مع شهر رمضان الكريم.وتدخل متصفحو موقع الصحيفة المذكورة سائلين الصحافي: بالله عليك هل المصدر الذي استندت إليه في صياغة خبرك هو حفيد السجين أو ابن اخته؟ وكالعادة لم يعر موقع الصحيفة أي أهمية لتعليقات القراء. ولم يعتذر عن الخطأ ويصححه ويرفع اللبس عما نشره. إن إصرار موقع الصحيفة على التمسك بسقطته، دفع صديقي إلى مداعبتي قائلا: يبدو أنكم ستكفون عن تدريس طلاب الصحافة أشكال الكتابة الصحفية، وتشريعات الإعلام وأخلاقياته واقتصاديات الإعلام ونظمه ونظرياته، وتعكفون فقط على تعليمهم الفرق بين الجدّة والخالة، والجدّ وابن الأخت. وسنكف، نحن القراء بدورنا، عن مطالبة الصحافيين بالدقة والالتزام بالشروط المهنية، بل سنرضى عليهم إن قاموا بمراجعة ما يكتبونه قبل النشر فقط!حديث صديقي الممازح، لا يخلو من لُؤم، لأنه يحمل قدرا كبيرا من التعميم، وهو يدفعنا إلى التفكير فيما آلت إليه الكتابة الصحفية من تدهور في الجزائر. والسبب في ذلك لا يعود للصحافيين الذين يمتلك الكثير منهم ناصية الكتابة، بل يرجع للعبث في التوظيف داخل بعض المؤسسات الصحفية، فأضحى لا يخضع لأي معيار، بل حتى للقدرة على التمييز بين الجدّة والخالة فقط! ويجرنا إلى طرح السؤال التالي: من أفسد الكتابة الصحفية وأنزلها إلى الحضيض؟ وهل خلت قاعات تحرير بعض الصحف ممن يملك السلطة المعرفية، لتصحيح ما يُنشر أم أن شهية بعض الصحف لجمع المال بكل السبل أفقدها الحاجة إلى ضرورة التدقيق فيما تنشره؟ أيعقل أن الهُزَال أدرك الكتابة الصحفية إلى درجة العجز عن نقل حدث بسيط في شكل خبر صحفي، لا يتعدى بعض الأسطر القلائل فقط، ناهيك عن ذكر المصدر بطريقة صحيحة والاستشهاد بمقتبس الأقوال والتصريحات بشكل دقيق؟ أيعقل أن اللهث وراء المال جعل بعض الصحف شماتة القراء؟ فأين ذهبت تقاليد السرد العربي؟ وبماذا أفادت تقاليد الحكي في ألف ليلة وليلة سردنا الصحفي؟ لقد افتتن بها الكثير من الروائيين الأجانب، كونها تجمع مئات الأصوات في بنائها السردي، دون أن يتيه القارئ ويختلط عليه الأمر، فيضيع في معرفة من قال؟ وماذا قال؟ لقد استلهم الأديب الروسي تولستوى من ألف ليلة وليلة في كتابة روايته الملحمية “الحرب والسلم”، وحذا حذوه الروائي مارسل بروست في روايته الضخمة “البحث عن الزمن الضائع”. واعترف غارسيا ماركيز بتأثير ألف ليلة وليلة على روايته الموسومة بـ “مائة سنة من العزلة”.إن كانت الكتابة الصحفية الكلاسيكية تعاني من الهزال المذكور، في ظل هيمنة النمط الخطي والمتواصل في السرد، فكيف سيكون حالها في ظل الكتابة الرقمية، التي تطلق هذا النمط وتصبح متشذرة ومشتة، وفق منطق النص الفائض أو المتشعب؟ www.nlayadi.com
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات