38serv
كان من المفترض أن أكتب، في عيد النصر عن عيد النصر، ولكنني لست مطمئنا أن النصر ما زال نصرا، وقد سبق أن كتبت “في عيد النصر أحن لنصر”، وكتبت بعد ذلك “نصر واحد لا يكفي”، فالقرار الوطني اليوم، تدل ملامح كثيرة، على أنه مرهون، والمشروع الوطني تم الانصراف عنه، فصار الاستقلال مهددا والهوية مهتزة والوحدة مشروخة. وعوض إقامة دولة تتولى تجسيد أهداف المشروع الوطني، قامت سلطة تحولت شيئا فشيئا إلى وحش نهم شره وملهوف. سلطة حرّرت المال وقيّدت الإنسان، بل يظهر اليوم أنها تخلت عن الجزائريين، لتتحالف مع الرداءة والمال الفاسد، إنها تنهك كرامة الجزائريين وتفسد نفوسهم وطباعهم. وهي اليوم تظهر عاجزة لا تملك لا مبادرة ولا قدرة على تقديم أي حل، وأقل من ذلك تجسيده.في ملامح هذا الوضع تبدو السلطة صمّاء غير مكترثة بمطالب الجزائريين إلا في موضوع واحد هو: المرأة. فهي تبادر، من حين لآخر، بتشريعات “إيجابية” ولكن لا معنى لها في زمن الاستبداد زمن اللامؤسسات وزمن هيمنة الرداءة والفساد. أساتذة التعليم في إضراب متواصل، صار يهدد التلاميذ بسنة دراسية بيضاء، ولكن السلطة ترفض تلبية مطالب هذه الشريحة التي ظلت تحاول، المرة تلو المرة، منذ سنوات تحقيق مطالبها وظلت في حاجة، المرة تلو المرة، للتعبير عن المطالب نفسها بالإضراب، من دون نتيجة. مطالب المواطنين في الجنوب بالتخلي عن مشروع استغلال الغاز الصخري، التي صارت موضوع احتجاج وتجند متواصل منذ أشهر، وقبل ذلك احتجاجات البطالين، لم ترد عليها السلطة إلا بكلام غامض أو غير مقنع. وإذا كانت السلطة رفضت، أيام الوفرة المالية، تلبية جل المطالب التي يرفعها الجزائريون أو عجزت عنها، في التعليم والتشغيل والإسكان وغيرها، فكيف نتوقع منها أن تفعل اليوم أحسن مما فعلت بالأمس؟ ولكن الكارثة أنه مقابل رفض هذه المطالب يسجل الكل ويلاحظ ما تتعرض له الأموال العامة من نهب ومن سطو وتبذير!!إن ملاحظة أن الاحتجاج الاجتماعي السياسي كان الأبرز فيه، لسنوات خلت، ذلك الذي عاشته وعرفته منطقة القبائل، ثم انتقل الأبرز فيه إلى بطالي مناطق الجنوب ثم إلى نزاعات منطقة ميزاب ثم رأيناه ينتقل إلى منطقة أخرى من الجنوب، قد يحمل ما يمكن أن تتجه أياد إلى استغلاله لضرب الوحدة الوطنية، خاصة إذا لم تسارع السلطة إلى الخروج من منطقها الحالي في إدارة شؤون البلاد وإلى تغيير طبيعة العلاقة بينها وبين الجزائريين والاتجاه بسرعة إلى بناء توافق وطني جديد يحمي المشروع الوطني والهوية الوطنية والوحدة وذلك غير ممكن من غير شعور كل الجزائريين، في كل مناطق البلاد، أن حقوقهم محفوظة وأن أصواتهم مسموعة.ولكن الواضح أن السلطة فقدت الكثير من هيبتها والكثير من مصداقيتها وهي تعاني من الطعن الدائم في شرعيتها، كما أن السلطة بلا مؤسسات وبلا سند اجتماعي حقيقي، إداراتها تكاد تكون عاطلة كليا والخدمات العمومية تزداد رداءة يوما بعد يوم، والمواطن يكبر شعوره بأن السلطة غير مكترثة بأوضاعه وغير قادرة على حماية ثروته ورافضة لمطالبه.وهناك من الأخبار ومن أشكال الغموض عن حال أعلى هرم السلطة، ما يخيف، إن صراعا أو انسدادا وعجزا، في زمن تتدهور فيه كل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتصل العلاقة بين السلطة والناس إلى الحضيض وتتدهور فيه قدرات المؤسسات والإدارات ويظهر عجز الأحزاب، كل الأحزاب، ويظهر فيه غياب فعل سياسي حقيقي لدى الكل، وفي زمن صار القرار فيه يفتقد للقدرة وحتى للاستقلال. ملامح الصورة هذه فيها الكثير ما يدفع إلى الخوف. خوف أن يستمر الانسداد في أعلى هرم السلطة وخوف أن تتجه السلطة إلى الهروب إلى الأمام وخوف أن تحمل الاحتجاجات وإدارتها بالخصوص، ما يهدد الاستقرار والوحدة، وخوف من أن تتجه بعض عصب النفوذ والمال، والفاسد منه بالخصوص، إلى مغامرات، لشعورها أن لا شيء يقف في وجهها وأنها يمكن أن تستغل الوضع للسطو على كل السلطة وعلى كل الثروة. إن ملاحظة أن السلطة لم تكترث كثيرا لكل دعوات التغيير وبناء توافق سياسي وطني وغياب أي رؤية لديها أو مبادرة تتسم بالجدية، هو عامل آخر يدفع للقلق والخوف.. لن أكتب عن عيد النصر لأن زمن الرداءة والفساد بدّد القليل الذي تحقق وزرع فينا الخوف على البلاد وعلى الاستقرار والاستقلال. نعم أنا خايف، خايف بزاف[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات