+ -

 يمكن فهم اهتمام الجزائري بمتابعة قضية سوناطراك، لما تمثله من نموذج للفساد السياسي. قضية سوناطراك، هي قضية واحدة، عينة عن تفشي الفساد. دون الرجوع إلى الوراء كثيرا، سنجد بأن وعود الرئيس بمكافحة الفساد بكل أشكاله، كانت وعود انتخابية. وبين ما ننتظره من سنوات، وبين الواقع، نشعر بوجود فوارق طبقية. فوارق تمنح لجزء من المواطنين مناعة وحماية. ملفات كبيرة لفضائح جمعت بين السياسية والمال. حالات على تعددها، لم يصاحبها غير الوعد بالوعيد. فجاءت الهيئات المكلفة بمحاربة الفساد، لتكون البديل عن إرادة تعقب الفساد. حاليا، تعيش البرازيل على وقع فضيحة سياسية -مالية. وحسب التحقيقات القضائية، يتعلق الأمر بعمولات ورشاوى تتجاوز مليار دولار، وربما تقترب من ثلاثة ملايير. أبطالها على الواجهة هي شركة النفط “بتروبا”، التي تعد بمثابة سوناطراك في الجزائر، وشركات كبيرة في البناء والأشغال العمومية. وكشفت التحقيقات، عن وجود تنسيق بين هذه الشركات، خالقة منه كارتل، يقتسم فيما بينه الصفقات والاستثمارات الكبيرة. وفي مقابل ما يلقاه من غطاء سياسي، أو من مرافقة سياسية، يقوم الكارتل بضخ المال على حسابات سياسيين وأحزاب. ولأن المال كما يقال، ليس له دين، وهو جبان، عثرت تحقيقات قاضي منطقة صغيرة، مكلف بالقضية عن أشياء كبيرة. ولعل أكثرها رمزية، استفادة ثلاثة أحزاب من عمولات ورشاوي، أولها حزب العمال الحاكم، وهو حزب يساري. وحزب الحركة الديمقراطية البرازيلية، وهو حزب وسط، وحليف حزب العمال في البرلمان. والثالث، هو الحزب التقدمي، وهو حزب يميني. أي أن الاستفادة جمعت اليسار والوسط واليمين، وفي نفس الفترة من خيرات ما يتقاسمه كارتل شركات رجال المال “الوسخ” والأعمال “القذرة”. الأمر الثاني، أنه يمكن ملاحظة بأن المستفيدين يختفون وراء شعارات عظيمة، وقيم كبيرة. حزب عمال، وآخر يحمل قبعة الديمقراطية، وثالث التقدمية. وهي أشياء لا نجدها بعيدة عن محيطنا. بل نشعر بأنها قريبة منا. وتحدثنا عن واقعنا. فصاحب خطاب “التآخي” لا يصيبه الحرج وهو يتفه القتل، جاعلا منه قربانا للتقرب من الكمال. ورافع قيم الدفاع عن الديمقراطية لا يجد حرجا في التفرغ بحثا عن مشاريع تغنيه وتبقيه في السلطة، أو بين أحضان السلطة. الحدث اليوم، ليس بالحديث عن ملفات وفقط. فالسياسي يكتفي بالحد الوطني الأدنى، الذي يمكنه من الادعاء بالعمل على محاربة الفساد السياسي. فالتطهير كقيمة يتم استغلاله لحجب حقيقة عمليات الغسيل. وما تريده السلطة تريد وراء الاحترافية والمهنية، هو ضرب، وبالضربة القاضية، ما تبقى من أقلام حرة مازالت تؤمن بقيم الدفاع عن الشفافية في التسيير العام. هي تستوعب أن قوة الإعلام تدحرجت بسبب تزايد التحكم في مجاري قنوات الإشهار وتوجيهه. وتدرك وجود مقاومة داخل صحف، تواصل الدفاع عن قيم الحريات رغم حصار يمارسه مسؤولو التحرير على كتاباتهم. وموازاة مع هذا التضييق، لا تجد جمعيات المجتمع المدني، التي تهتم بكل ما له علاقة بالرشاوى والفساد، أي مساعدات معنوية، ولا تسهيلات أو تشجيعات شفوية من مؤسسات الدولة. فهي إن توجهت إلى عقد ندوة يتبعها نقاش عن الموضوع، لا تلق إلا الرفض الإداري. وإن أصرت، وجدت “القزول” بحجة الدفاع عن الأمن العام. توفير الشروط الموضوعية للتطهير، ملازما مع القدرة على توفير الشروط الموضوعية لضمان سلامة عمليات الجمع عند حساب أصوات الناخبين. فدقة الحسابات لا تقبل التقسيم، ولا التمييز بين الموضوع أو بين المستفيدين. وسنكون أمام معجزة سياسية، لو أن نتائج التزوير الانتخابي جاءت بتطهير سياسي[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات