غاب الطبيب فتعالى الأنين.. فهل من مستمع؟

+ -

ما جدوى إقامة وحدات صحية في المداشر يغيب عنها الأطباء، وتتحوّل تلك المرافق الخدماتية إلى هياكل بلا روح؟ تساؤل بريء براءة الناس هنا في مداشر بلدية تاشتة بولاية عين الدفلى، المنطقة التي عانت الويلات في العشرية الحمراء، وعانى سكانها الإرهاب والعنف والتهميش والإقصاء والفقر والحاجة والمرض، وكل الأشياء غير الجميلة.. كان ذلك من قبل، أما الآن أليس من حقهم أو على الأقل من حق أطفالهم أن يعيشوا حقا العزة والكرامة؟ وأن يجدوا طبيبا يخفف عنهم آلامهم؟ تسود هذه الأيام حالة من الغليان والتذمر وسط المرضى وأوليائهم ببلدية تاشتة مركز ومداشرها الست النائية، والتي توقفت فيها عمليات الكشف الطبي منذ أزيد من شهرين، حسب المرضى الذين سئموا من هذه الوضعية، وضعية لازالت تعبث بهؤلاء البسطاء والفقراء، من وراء هذه التضاريس القاسية والمنعرجات الغابية الصعبة.حالة الغبن التي عاينتها “الخبر” على وجوه المرضى ومرافقيهم من الأولياء وذويهم عبر تصريحات سجلناها بالعيادة المتعددة الخدمات ذات البناء الجاهز الذي تآكلت جدرانه ومعداته وتجهيزاته، بعدما انتهت مدة صلاحية الهيكل، إذ لم يتردد المرضى من النسوة والحوامل والعجائز والأطفال والشيوخ في إرسال أنين المعاناة والغبن، جراء ما يواجهونه يوميا في أروقة هذا المرفق الصحي الوحيد بمركز البلدية الذي يعاني من الاكتظاظ الكبير، رغم ما يبذله الـتأطير الطبي الحالي رفقة طبيبين وعدد من الممرضين من مجهودات للتكفل بالوافدين إليه من كل تراب البلدية البالغ عدد سكانها أزيد من 26 ألف نسمة.وعن سبب هذا الضغط الكبير الذي تواجهه هذه العيادة، أكدت لنا النسوة، ومنهن الحوامل، والمرافقات للأطفال، والعجائز اللواتي أرهقهن المرض والكبر، أنهن قطعن مسافة  تزيد عن 20 كلم للوصول إلى هذا المرفق الصحي الذي لم يعد يحتمل الضغط، يقول شيخ نالت التجاعيد من صفحة وجهه.وحسب أقوالهم الغاضبة، فإن الطبيب لم يزرهم لإجراء الكشوف الطبية منذ أكثر من شهرين، يشير محدثونا من بسطاء وفقراء عدة قرى ومداشر نائية وتجمعات سكانية كبرى لازالت قاعات علاجها لحد كتابة هذه السطور لم تر الطبيب، ما عمق في متاعب هؤلاء، وتعذر على بعضهم زيارة العيادة بسبب الفقر الذي منعهم من كراء سيارة لنقل مريضهم، فيما بقي البعض يترددون كل يوم على قاعات العلاج للاستفسار عن غياب الطبيب هذه المدة الطويلة، وهل هناك أمل في عودته إلى هذه الهياكل التي صارت دون روح. “أخذ حقنة وسؤال الممرض عن أعراض المرض غير كافيين لطمأنة المصاب وشفائه”، يقول ولي يرافق ابنته فاطمة التي أنهكتها الحمى والالتهاب على مستوى الجلد منذ أزيد من أسبوعين، دون أن يجد سبيلا لعرضها على الطبيب أو الاستفادة من مهدئات يمنحها له الممرض.وعن هوية هؤلاء الذين يقصدون المرفق الصحي اليتيم، أشار بعضهم إلى أنهم ينحدرون من 6 مداشر، هي سوق لثنين (20 كلم عن مركز البلدية) والخبابزة (18 كلم) وأولاد باسة (15 كلم)، وكذا قهوة الخميس واولاد العربي واولاد علي، وهي قرى بها 6 قاعات علاج أنجزتها البلدية لضمان الرعاية الطبية لسكانها، لكن ما يحدث هذه الأيام وسط نداءات السكان صار مقلقا لهؤلاء، بعدما طال الوضع وغابت الإعلانات التي تخبرهم عن غياب الفريق الطبي الذي كان يتفقدهم باستمرار، حسب رزنامة الكشف الطبي للقرى المبرمجة أسبوعيا.هذه الوضعية جعلت بعض ساكني سوق لثنين واولاد يوسف والتاغية والقصور ينتقلون إلى البلديات المجاورة، مثل بريرة والزبوجة بولاية الشلف، ومناطق تابعة لولاية تيبازة، بهدف إجراء الكشوف الطبية الاستعجالية. وليست هي الحالة الوحيدة ببلدية تاشتة، بل هناك قاعات علاج على مستوى عدة بلديات جبلية ينعدم فيها الطبيب أو تعاني تذبذبا في الخرجات المبرمجة.وفي هذا السياق تساءل سكان المنطقة عن إمكانية التعاقد مع أطباء خواص للقيام بهذه العملية، في غياب الطبيبين المكلفين بالكشوف الأسبوعية، مادامت وزارة الصحة تحرص على الرعاية ولا تمانع في مثل هذه المبادرات المحلية، لأن الهدف الأسمى هو ضمان الصحة للجميع، على حد قول وزير الصحة في كثير من المناسبات، يشير محدثونا الذين شعروا بالتهميش واللامبالاة من طرف المصالح الصحية المعنية بالقطاع، فيما ذكَّر أحدهم المسؤول المركزي عن القطاع بمصير مشروع العيادة المتعددة الخدمات التي منحها لهم الوزير الأول لدى معاينته الميدانية للمشاريع الستة التي تعهد بإنجازها بالولاية، والتي انطلقت فعلا، لكن مشروع تاشتة الذي من المفروض أن يجسد ميدانيا لتعويض شبه العيادة القديمة المشيدة من البناء الجاهز منذ سنوات لم ينطلق لحد الساعة، ولا يزال هؤلاء يحلمون بمثل هذا الهيكل العصري الذي أنجز نظيره بمنطقة سيدي ساعد ببلدية العبادية. فلماذا هذا الإقصاء والتهميش؟ “فلو جسد هذا المشروع في وقته لما عشنا هذا الضغط الذي تواجهه العيادة القديمة، من خلال صراع إطاراتها مع الحالات التي تعرض عليها يوميا”.ومن جهة أخرى، لم يغفل محدثونا دور البلدية في الاهتمام بهذه الهياكل من حيث الترميم والصيانة حتى تؤدي وظيفتها، رغم وجودها بعمق أريافها المتباعدة وتضاريسها الصعبة، يقول السكان الوافدون من هذه القرى ذات صباح.ومن جانب آخر، أوضح محمد ناجم رئيس المجلس الشعبي الولائي أن هيئته شددت في مناقشاتها الأخيرة على التغطية الصحية بالمناطق الريفية التي لا تختلف من حيث أهميتها عما يطبق بالمدن الحضرية حسب قوله. ومن جهة أخرى ذكر ذات المنتخب بالمبادرة التي أطلقتها الوزارة الوصية وأكد عليها وزير الصحة خلال زيارته الأخيرة بعين الدفلى، والمتعلقة بالعلاج المنزلي الذي شرعت فيه مديرية القطاع ميدانيا، لكن بصفة محدودة، “لذا نأمل أن تعمم العملية بكل البلديات وتمس كذلك المناطق الريفية والمداشر المنعزلة”، خاصة أن بعض العجزة والمرضى غير قادرين على التنقل، فالوصول إلى بيوتهم عامل مهم في رعايتهم الصحية. ولعل المشاريع التي برمجتها الولاية تدخل ضمن هذا الإطار الرامي إلى الحفاظ على صحة المواطن، يشير ذات المصدر.وأمام هذه الأوضاع التي يتخبط فيها السكان، يناشد هؤلاء المسؤول الأول على الولاية الذي يعرف المنطقة جيدا، كونه كان أمينا عاما للولاية في السنوات المنصرمة ويحرص على تنمية الناحية من خلال المشاريع المبرمجة، يناشدونه التدخل لدى المصالح المعنية لإنقاذهم من المآسي الصحية التي أصبحت تهدد أكثر من نصف سكان البلدية، في ظل حالة العوز التي يتخبطون فيها، والمسافات التي تتطلب نفقات عجز محدثونا عن توفيرها.وفي رده أكد لنا مدير المؤسسة الصحية الجوارية بالعبادية في اتصال هاتفي، أنه على علم بالمعضلة التي مست 6 قاعات علاج تابعة لإقليمه الصحي، إذ أرجعه إلى دخول الطبيبة المعنية في عطلة أمومة، طبقا للقانون المعمول به في العطل المرضية، وهذا من حقها. أما الطبيب الآخر الذي كان يعمل رفقتها في تغطية هذه المداشر، فقد التحق بالطب المدرسي ضمن وحدات الكشف والمتابعة وإجراء الفحوصات اليومية والدورية للتلاميذ بالمؤسسات التربوية، وهما إطاران صحيان مشهود لهما بالكفاءة والإخلاص والانضباط، يقول ذات المسؤول بالمؤسسة العمومية للصحة الجوارية بدائرة العبادية. لكن بالمقابل تعهد بتسوية الوضعية في الأيام القريبة القادمة، من خلال تعيين طبيبين يباشران عملهما وفق البرنامج المسطر.  

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات