38serv

+ -

 مستورد مافيا، وحاويتان وثلاثة تصريحات، اختزلت مشهدا سياسيا وإعلاميا، في بلد يشكو “الحقرة”، البترول الرخيص، ونضوب الحقول المهدئة للجبهة الاجتماعية، في انتظار تحسس “قرار الأوبك التاريخي بالجزائر”.هل حققت الجزائر إنجازا تاريخيا في المركز الدولي الجديد للمؤتمرات؟ قياسا بتصريح وزيري النفط الجزائري نور الدين بوطرفة والقطري محمد الصالح الليلة ما قبل الماضية؟ وهل سينجح تخفيض الإنتاج، مثلما تقرر، في استعادة البحبوحة المالية التي تنعمت بها الجزائر سنوات قليلة؟ وهل سيرسم القرار التاريخي انطلاقة “تاريخية” في المشاريع التنموية التي جمد أغلبها لما جفَّت الخزينة العمومية؟ وهل سيُرفع التجميد عن التوظيف في القطاع العمومي؟ وهل ستعيد الصحف العمومية والخاصة أيضا عافيتها بتدفق “نعمة” الإشهار بعد نضوبه على صفحاتها؟ وهل سيعاد النظر في ترتيبات التقشف الشديد في مشروع قانون المالية 2017؟ هل ستعود أسعار البنزين والكهرباء والماء إلى سالف عهدها؟ هل سيحدث كل هذا، بما أن القرار المتخذ من دول “الأوبك”، واستغرقت ولادته القسرية 6 ساعات من حرب المصالح وُصفت بـ “التاريخية”؟لحد الآن لم يخرج للجزائريين أي خبير أو مسؤول حكومي يشرح لهم تبعات القرار التاريخي. لا أحد من المواطنين، وحتى من النخبة الاقتصادية، فهم بالتفصيل كيف سيعود هذا القرار التاريخي بالفائدة عليهم حسابيا، وهل يرقى هذا القرار إلى تطلعات الناس في تمكينهم من تجاوز غلاء المعيشة، بحيث لا ترهق عقولهم في حسابات المد والجزر حيال فاتورة الكهرباء والغاز والماء، والخبز.الفلاحة تليق بسوناطراكوضع منشطو الندوة الصحفية، التي أُعلن خلالها عن قرار خفض الإنتاج، الجزائريين في وضع المستقبل لعلبة “هدية” ثمينة مغلفة بالكثير من أمل يعاكس تلك الخيبة القاتلة المحشوة في تدابير تقشف، ود من سمع “القرار التاريخي” أن يسمع قولا يفيد بأن البنود المرهقة في قانون المالية الجاري (2016) والتالي (2017) مجرد مشهد في “كاميرا مخفية” نصبتها الحكومة لقياس درجة صبر الناس على بطون خاوية. فالجزائريون تعوّدوا على أن تكون القرارات التاريخية مفصلية بالنسبة لمصيرهم، تماما مثل القرار “التاريخي” الذي اتُّخذ في عهد الراحل بومدين بتأميم المحروقات، وصار الجزائريون يحتفون به في فيفري من كل عام، وليس أقل قدرا وقيمة من هذا القرار أن يتخذ “قرار تاريخي” بأن تحدث القطيعة النهائية مع التبعية الريعية للبترول، بتحويل سوناطراك إلى عملاق يستثمر في الفلاحة والصناعة والسياحة.. “من التأميم إلى التعميم”. هي أمانٍ يعبر عنها بسطاء في المقاهي، صاروا ضحايا ملل من تخويف ممنهج، للآتي من أيام دون بترول، وقرف من فضائح فساد، يسمعون عن خبراء ومحللين يقولون “كلما ارتفعت أسعار البترول زادت معدلات الفساد”، بعضهم يعلق “فلتبق الأسعار كما هي عليه إذن”.لونيي.. البترول وزهو المغاربةالجديد في المخيال الاجتماعي للجزائريين أن المقارنات التي كان يعقدها هؤلاء بين بلدهم والبلدان الأوروبية صارت من الماضي، والمؤسف أن المقارنات الجديدة صارت تضيق في دعوة لإلقاء نظرة بسيطة للحاصل في المغرب أو في تونس، رغم الضيق الاقتصادي، للوصول إلى نتيجة واحدة هي أننا “نتقهقر”، بل إن إحالة بسيطة على ما كتبه الاقتصادي الأمريكي روبرت لونيي بمجلة “فورين بوليسي” أول أمس، تؤشر على ما ببال الأجانب إزاء وضع اقتصادي بالجزائر، قال إنه يزداد تدهورا في ظل عدم الاستفادة من مداخيل النفط الزاهية الأعوام الفارطة.. الأمريكي دعا الحكومة الجزائرية إلى “اتخاذ المغرب قدوة في الإصلاحات، وإلا فإن رياح الربيع العربي مازالت قائمة”.. طبعا الأشقاء المغاربة لا يفوتون فرصا كهذه لإقامة الحجة على ما يصفونه “تخلف الجارة الشرقية”، بل إن مقالات صحفهم أمس “مرحت” بما كتب روبرت لونيي، وآمالهم قد تحققت بأن عائدات البترول التي تستخدمها الجزائر في حربها الدبلوماسية مع الرباط قد نضبت، ولا يمكن للجارة الشرقية أن ترشي حلفاءها بالمحافل الدولية من أجل افتكاك مكاسب دبلوماسية في القضية الصحراوية.. هم درجوا على قول هذا منذ أن بدأت أسعار النفط تنعش الخزينة العمومية بالجزائر. بل إن جيراننا زادوا على موقف لونيي بقولهم إن “تفاقم الوضع في الجزائر بات يشكل تهديدا لمنطقة شمال إفريقيا”.. لكن موقفا مغربيا كهذا قد يعطي الجزائر حجة أقوى لإبقاء الحدود البرية مغلقة تصفر فيها الرياح، طالما أنها تشكل خطرا عليه، فهي تقدم للمملكة خدمة جليلة بأن تمنع عنها الخطر!حاويتان.. وزير ومافياخدمة تشبه تلك الخدمة التي سعى وزير التجارة بختي بلعايب إلى تقديمها للدولة بإطلاقه فضيحة قطع الغيار المغشوشة، وزير التجارة تحدث عن كل شيء يتصل بالمستورد المافيا الذي هدده وتحداه في عقر داره، مثلما دعاه لوح إلى اللجوء للعدالة لإيداع شكوى حيال “الحقرة” التي تعرض لها من مستورد بدرجة “مافيا فوق القانون”، لكنه يظل مواطنا بسيطا طالما أن هوية هذا “المافيا” مجهولة، في نظر كل من تابع أطوار الفضيحة التي فجرها عضو في الحكومة، كان ينتظر تضامنا حكوميا مثلما ظل يردده ويدعو إليه الوزير الأول، ليصطدم بجدار حزبي تمثل في غضب رئيسه الحزبي أحمد أويحي الذي لم يتفق معه يوما لا داخل الأرندي ولا داخل الحكومة.سعداني.. العائد من بعيدتصريحات بختي بلعايب، الاثنين ما قبل الماضي، لم تكن موجهة للإعلام، رغم أنه كان بصدد تنشيط ندوة صحفية، وإن اتخذ وسائل الإعلام منابر لإيصال “نجدة” للرئيس بوتفليقة حيال ما يتعرض له من ضغوط، تبقى التساؤلات حول من يقوم بها قائمة، مثل التساؤلات حول هوية المستورد المافيا الذي فر من البلاد إلى دبي، حسبما يتردد بمقاهي الجزائريين المصدومين من شأن وزير يشتكي “الحقرة”، ولم يكلف أي نائب بالبرلمان نفسه عناء توجيه سؤال لوزير العدل الطيب لوح عن هوية “الغول” الذي كاد يقعد بلعايب الفراش، رغم أنهم كانوا يتباحثون قانونا في صميم حالة بلعايب المتعب، ويتعلق الأمر بالقانون الخاص بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، لكن ما حصل أن وزير التجارة استخدم حقه الإنساني في التنديد بما لحق به وبمصالحه من تعسف “صاحب لكتاف”، وهذا الحق كان أولى بالنواب كممثلي الشعب استخدامه لمعرفة هوية “صاحب لكتاف”، لكنهم تخلوا عن حقهم وحق الجزائريين الذين انتخبوهم، وتركوا بلعياب لمصيره في مواجهتين، واحدة تمت ومازالت تتم تتعلق بمواجهته مع أويحيى وترسانته الحزبية، والأخرى قادمة قد تتضح مع تعديل حكومي يشاع أنه وشيك، بالنسبة لهؤلاء الذين يطلقون تخمينات بشأن من سيكون مكان من؟ وينتظرون خرجة من عمار سعداني ترسم لهم خطوط التخمينات الأولى للوصول إلى النتيجة الصحيحة. الرجل الذي صبر على الصمت وقتا طويلا، بينما ضاعف خصومه سرعة الإطاحة به، سينشط ندوة صحفية الأسبوع الداخل، وعراقيب المهتمين معلقة على مقبضه، مثلما هي عراقيب الوزراء رهينة رنة هاتف من الوزارة الأولى، قد تزكيهم كما قد تشكرهم “على المجهود ولكن..”.  

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات