"النواب العامون لا يملكون الجرأة لتحريك الدعوى العمومية"

+ -

يرى رئيس نقابة القضاة سابقا والمحامي حاليا، محمد رأس العين، في حوار مع “الخبر”، أن “النواب العامين في الجزائر “بلا حرية”. متسائلا “من هذا النائب العام الذي يملك الجرأة لتحريك دعوى عمومية في قضية معينة، دون رجوعه إلى وزير العدل؟ دعا وزير العدل المواطنين إلى تقديم ملفات فساد للنيابات العامة للتحقيق فيها، علما أن النائب العام له حق التحرّك تلقائيا، لماذا إذن يقيّد النواب العامون أنفسهم؟ الأصل في تحريك الدعوى العمومية يعود للنيابات العامة، وتحريكها يكون إمّا عن طريق شكاوى وحتى ادعاء مدني. فمهمة تحريك الدعوى تتعلق أساسا باختصاصاتها وأبرزها البحث عن الجرائم، كما ينص عليه قانون الإجراءات الجزائية. وقد حدد المشرّع لمباشرة التحريات عن طريق الضبطية القضائية، خصوصا ما تنص عليه المادة 12 من قانون الإجراءات الجزائية. وتحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة ينطلق من مهمة البحث عن الجرائم والأدلة، علاوة على البحث عن الأشخاص الذين ارتكبوا تلك الجرائم، فهذا هو الأصل.أمّا الاستثناء الذي جاء به التعديل الجديد في المادة 6 من قانون الإجراءات الجزائية، حيث لا تحرك الدعوى العمومة ضد مسيّري المؤسسات العمومية الاقتصادية التي تملك الدولة كل رأسمالها، أو ذات الرأس المال المختلط، عن أعمال التسيير التي تؤدي إلى سرقة أو اختلاس أو إتلاف أموال عمومية أو خاصة، إلا بناء على شكوى مسبقة من الهيئات العمومية للمؤسسة.فهذه المادة تهدف إلى تحرير المسيّرين، لأن أي مؤسسة اقتصادية تحكمها عقود والمسيّر يعينه المساهمون، فهذا الأخير هو أولى بالوقوف على الأخطاء في التسيير التي تلحق ضررا بالمؤسسة، والمساهمون هم أقدر على التفريق بين خطأ التسيير والخطأ الذي تترتب عنه  الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات، لهذا ربط تحريك الدعوى بتقديم شكوى مسبقة.لكن المساهمين نُص على أنّهم يخضعون للمتابعة الجزائية، في حالة الأخطاء التي ارتكبت وأصبحت تحت طائلة قانون العقوبات. وهنا السؤال المطروح: كيف نتوصل إلى أن هذه الأخطاء تقع تحت قانون العقوبات، إذا المساهمون تواطأوا مع المسيّر؟ والجواب واضح، حيث يصبح تحريك الدعوى ليس مرتبطا فقط بشكوى مسبقة، بل بأي بلاغ، وهنا نعود إلى القاعدة الأصلية لدور النيابات العامة، ونجد هذا التفسير في المادة 47 من قانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد، التي تعيدنا إلى القاعدة. وبالتالي تصبح النيابة العامة مؤهلة للتحرك. إذن على ماذا يرتكز الوزير في دعواه؟ الوزير ومعه الحكومة يذهبون دائما إلى المادة 32 من قانون الإجراءات الجزائية، لكنها مادة تخص كل الموظفين المؤهلين لإعداد محاضر للتبليغ عن قضية معينة، وبالتالي الوزراء ليس لهم صفة الضبط القضائي ولا صلاحيات تحرير محاضر، وهذا يعني أن الوزير لا يتوفر على صفة الضبطية القضائية، وما عليه سوى التبليغ بأي طريقة، ثم يأتي دور النيابة التي تتحرك أيضا ضد مجهول عن طريق تحقيق موسع، والتحقيق له نظام قضاء التحري ومن خصائصه السرية.ألا تعتقد أن الوزير يقلل من شأن وقيمة النيابات العامة؟من هذا النائب العام الذي له الجرأة لتحريك دعوى عمومية، خاصة إذا كان لها تأثير في المجتمع، إذا لم يرجع لوزيره، وحتى هذا الأخير نفسه، الوزير، لا يمكنه التحرك رغم أن المادة 30 من قانون الإجراءات الجزائية تسوغ له التحرك، لأنه في نظام لا يسيّر بالمؤسسات، وهو وزير يتبع للحكومة ويطلب منها أوامر التحرك. وفي هذه النقطة، سأحيلك على المادة 573 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على الجرائم والجنح المرتكبة من طرف أعضاء الحكومة والقضاة وبعض الموظفين، لا تطبق، لذلك أطالب باجتهاد لتغييرها، فالأصل في هذه المادة أن أيّ وزير لما يرتكب جناية، ينجر عنه استقالة الحكومة بأسرها، والقضاء يمكن له أن يسمع لأي وزير لأنه ليس له حصانة.. معنى حديثك أن استقلالية القضاء كلام فارغ؟ الاستقلالية لها معايير. وقد سمعت وزير العدل، الطيب لوح، يقول إنه “بصدد بناء قضاء قويّ”. فما هي معايير القضاء القوي؟ أولا في الاستقلالية التي تبدأ باستقلالية القاضي الذاتية التي أساسها الضمير، لأن الضمير المستقل يعمل القاضي به على تحرير نفسه من الضغوطات، بمعنى آخر أن القاضي الذي لا يملك حريته، سيبقى تابعا لأي جهة، سواء شخصية أو مؤسساتية. فالنيابة العامة في الجزائر بلا حرية، فهي ترجع للوزير، والوزير يرجع للحكومة، والقاضي ليكون مستقلا لابّد أن يتحرر من أي تبعية، وهنا يطبق الدستور بحذافيره بأن القاضي هو حامي الحريات وحقوق المواطنين، ونحن في بلادنا فاقد الشيء لا يعطيه، ومادام القاضي ليس حرا فلن يكون مسؤولا. ومثال على ذلك تعليمة 27 أكتوبر 2003 التي حددت للقضاة عدد الجلسات ومدتها، أليس هذا تدخلا في صلاحيات القاضي.وإصلاح العدالة لما جاء سنة 1999، وأنا أعتقد أن الطيب لوح كان عضوا في لجنة الإصلاح بصفته رئيسا للنقابة، كان يريد إصلاح القضاء جزئيا، بينما العكس، هذا الإصلاح يتوقف على إصلاح منظومة حياة الدولة، والرئيس عيّن لجنة إصلاح هياكل الدولة سنة 2000، وإلى غاية الآن لا نعلم مصير نتائجها. وبالتالي إصلاح العدالة ليس في الإصلاح المادي، بل بتعزيز مسؤولية القضاء وتحرير القاضي من أي ضغوط وتبعية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات