+ -

رغم أن المؤتمر الخامس الذي حمل عبد الرزاق مقري إلى قيادة حركة مجتمع السلم رسم المعارضة كخيار استراتيجي بالنسبة للحركة، إلا أن القوى التي تنزعإلى حنين المشاركة في الحكومة ومكاسبها السابقة لا تزال حاضرة في المشهد، وتأبى الاستسلام لرأي الأغلبية التي تسيطر على مؤسسات حمس في الفترة الحالية. لا يكل الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم، أبو جرة سلطاني، في عرض أفكاره التي يقول إنها تروم إلى إصلاح خط حمس الحالي الذي ذهب، برأيه، بعيدا في مسار المعارضة، بما لا يتوافق مع تاريخها الذي كان يوازن بين المشاركة والمعارضة، على الرغم من الانتقادات الكبيرة التي كانت توجه لهذا الخط السابق بأنه توجه يلعب على الحبلين، ويكاد يجعل حمس بلا موقف واضح إزاء الكثير من القضايا التي كانت تبدو فيها محرجة، بالنظر إلى اعتبارها لدى قطاع واسع من الرأي العام جزءا من السلطة.ويعتقد أبو جرة سلطاني أن الفرصة مواتية بالنسبة له في الظروف الحالية، لإعادة الحركة إلى سكتها السابقة، بالنظر إلى تلاشي الظروف التي حملت تيار المعارضة بقيادة عبد الرزاق مقري إلى تسيير دفة حمس، فظاهرة صعود الإسلاميين إلى الحكم بعد أحداث الربيع العربي سنوات 2011 و2012، قد انقلبت إلى خسارة بعد تجربة قصيرة لهذه الأحزاب في الحكم، وبالتالي فإن رهان أي حزب إسلامي على الوصول إلى الحكم بمفرده إلى السلطة قد أصبح في خانة المستحيل.لذلك، يرى تيار المشاركة في حمس أن هذا التوقيت بالذات يسمح لهم بإعادة الترويج لأفكارهم القديمة التي تتحدث عن التغيير من الداخل والمشاركة لا المغالبة، وغيرها من الأدبيات التي ما فتئت حمس تتبناها خلال مسارها الطويل في الحكومة. ويجد أنصار هذا التيار في ما يسمونه “خط نحناح” منطلقا لإعادة إحياء هذه الأفكار داخل قواعد حمس، فالشيخ المؤسس كما يطلق عليه داخل الحركة، لا يزال مجرد ذكره يهيج عواطف المناضلين البسطاء الذين رأوا في غيابه انفراطا لعقد حمس إلى عدة أحزاب، وبالتالي فهو يمثل لهم رمز الوحدة التي تسعى حمس لاستعادتها من جديد.غير أن معركة تيار أبو جرة سلطاني في استعادة الحركة إلى صفهم تبدو طويلة وشاقة، لأن مسار حمس في الحكومة لا تزال آثاره السلبية ماثلة في صفوف القواعد التي كانت تصيح في كل المناسبات العامة “لا للسلطة لا للجاه”، بالنظر إلى الصورة السلبية الانتهازية التي انطبعت عن الحركة بفعل هذه السياسة، إذ على الرغم من خروج عبد الرزاق مقري المباشر إلى المعارضة، إلا أن صورة حمس الحزب الذي يمسك العصا من الوسط لا تزال منطبعة عن حمس.كما أن قسما كبيرا من تيار المعارضة في حمس لا يرون في خرجات أبو جرة سلطاني بريئة من حيث ارتباطه السابق برئيس الجمهورية وبشخصيات في الدولة، لا تزال لحد الآن تأمل في استعادة حمس إلى أحضان السلطة، حتى تحقق بها التوازن المطلوب، خاصة في هذا الظرف الصعب الذي يواجه فيه النظام أزمة اقتصادية كبيرة، تتطلب منه دعما سياسيا من أحزاب وازنة حتى تمتص بها الغضب الشعبي المنتظر. وعلى المستوى التنظيمي يحتاج أبو جرة لتعبئة واسعة داخل مجلس الشورى الذي لا يمثل الموالون له فيه سوى نسبة 5 بالمائة، وهو ما يجعل عبد الرزاق مقري وأنصاره في راحة من أمرهم داخليا، اللهم إلا إذا جاءت نتائج الانتخابات التشريعية صادمة لهم، بما قد يحمله المسؤولية ويقلب الطاولة لصالح خصمه العنيد أبو جرة سلطاني.     

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات