في ظل انهيار أسعار النفط وشح المداخيل الذي تعاني منه الحكومة الجزائرية، وفي ظل سعيها الدؤوب لاستقطاب أموال السوق الموازية، والتي تعتبر كتلة نقدية ضخمة تضاربت الأرقام حول حجمها الحقيقي، إذ قدّرها الوزير الأول عبد المالك سلال بـ 3700 مليار دينار جزائري، في حين يقدّرها تقرير أمريكي بما يتراوح بين 30 إلى 50 في المائة من الناتج الداخلي الخام للبلد، في ظل هذا ظهرت أصوات كثيرة تنادي بضرورة تطبيق التمويل الإسلامي كإحدى الآليات لاستقطاب جزء كبير من تلك الأموال، وعلى هذا الأساس تم اقتراح فكرة فتح شبابيك أو نوافذ للمعاملات المالية الإسلامية داخل البنوك التقليدية، وهي الفكرة التي يرى الخبير المصرفي ناصر سليمان أن تطبيقها قد تشوبه الكثير من الشبهات تؤدي بنا إلى تسجيل تحفظات في تحقيق الأهداف المنوطة بها.هل الشبابيك الإسلامية داخل البنوك التقليدية تتمتع بالاستقلالية؟ رغم الادعاء بالاستقلال المالي للشبابيك أو النوافذ الإسلامية من الناحية الإدارية والمحاسبية، إلاَّ أنَّ الفصل بين الأموال داخل البنك يبدو صعبًا من الناحية العملية، مما قد يؤدي إلى اختلاط أموال الشبّاك الإسلامي مع بقية أموال البنك، وهو ما يمثل بحد ذاته مصدرًا للشبهات، ويعرّض هذا الشباك للشكوك والانتقادات.فإذا كان عائد الوديعة بالنظام الإسلامي يعتمد على تقاسم الربح والخسارة مع البنك، وفي حالة تحقيق الشباك لنتائج ضعيفة، وخوفاً من هروب المودعين عن البنك، فما الذي يضمن ألا يكون هذا الأخير قد غطى ذلك العائد الضعيف ودعّمه بأموال البنك الأخرى.كيف ذلك؟عندما يقع الشبّاك أو النافذة الإسلامية في عجز للسيولة، وهو ما قد يحدث عادة نتيجة تزايد عمليات السحب عن عمليات الإيداع، فلا يجد الشبّاك من ملجأ غير الاستنجاد بأموال البنك الأخرى لتغطية ذلك العجز، كما يمكن أن يحدث العكس، وذلك بأن يستفيد البنك التقليدي الأم من فائض السيولة لدى الشبّاك أو النافذة الإسلامية بتوجيهها إلى استخداماته التقليدية، وهذا ما قد يشوب عمليات الشباك ويعرّضها للشكوك أيضًا.هل يوجد ضمان لضبط نشاط الشبابيك الإسلامية؟إنّ معظم الشبابيك أو النوافذ الإسلامية تعاني من عدم وجود هيئة رقابة شرعية تراقب وتضبط أعمالها من الناحية الشرعية، وهو ما يعني أن الهدف من وراء تلك الشبابيك هو تجاري بالدرجة الأولى، مما قد يزيد من قلق المودعين وتساؤلاتهم عن مدى شرعية التعامل معها، خاصة منها التابعة للبنوك الأجنبية في بلدنا.وعلى الرغم من ذلك، فإنّ تجربة الشبابيك أو الفروع الإسلامية قد يمكن قبولها في حالة التحول الجزئي أو المرحلي من العمل المصرفي التقليدي إلى العمل المصرفي الإسلامي، وهو ما لا ينطبق على البنوك الجزائرية، أو في حالة وجود عدد كبير من الشعب غير مسلم كما في حالة ماليزيا مثلاً، والتي يمثل غير المسلمين 40 في المائة من شعبها، لذلك كانت منذ البداية ولا زالت تشجع الشبابيك والفروع الإسلامية، أو بريطانيا أيضاً، والتي يوجد بها حالياً حوالي 17 شباكاً إسلامياً داخل البنوك التقليدية، رغم وجود 5 بنوك إسلامية فيها.ما هو الحل في نظرتكم لامتصاص الكتل النقدية الموازية ؟ أعتقد أنّ أبر الحلول لتمكين التمويل الإسلامي في الحالة الجزائرية، هو السماح بإنشاء المزيد من البنوك الإسلامية، إذ يوجد منها حالياً بنكان فقط من بين حوالي 20 بنكاً، أي المطلوب بنوك إسلامية خالصة، مستقلة من حيث الرأسمال أو الهياكل، وبالنتيجة من حيث العمليات والحسابات، لا سميا وأنّ الجزائر هي البلد الوحيد بين جيرانها والذي لم يسن بعد قانوناً خاصاً ينظم عمليات البنوك الإسلامية لحد الآن، بعد أن قامت بذلك ليبيا، حيث أصدرت قانوناً يلغي الفوائد الربوية من جميع المعاملات المصرفية والمالية سنة 2013 (القانون رقم: 01/2013)، ثم المغرب (تعديل قانون البنوك بإدراج أبواب عن البنوك الإسلامية ويسميها التشاركية) صادق عليه البرلمان سنة 2014 ثم صدر بالجريدة الرسمية في يناير 2015، ثم تونس سنة 2016 (قانون البنوك رقم 09/2016 والذي تم فيه تنظيم العمل المصرفي الإسلامي).ستلجأ الحكومة إلى خوصصة البنوك العمومية في قانون المالية 2017، ما رأيكم؟ لا بد من الإشارة في هذا المجال، إلى أنّ هذه الخطوة يقابلها إشكال قانوني، إذ أنّ الأمر رقم 10/ 04 الصادر في 26 أوت 2010، المعدل والمتمم للأمر 03/11 الصادر في 26 أوت 2003، ينص في مادته 6 على أنّ المساهمة الوطنية في مجال البنوك يجب ألا تقل عن 51 في المائة، وهو ما يؤكد على أن تجاوز نصيب المساهمة الأجنبية 49 في المائة غير ممكن إلاّ في حالة تصور مخرج قانوني أو تعديل الأمر الرئاسي الساري العمل به.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات