في سياق سياسات التقشف المعتمدة من قبل الحكومة، تعكف هذه الأخيرة على تخفيض كتلة الأجور التي قاربت سقف 3000 مليار دينار أو ما يعادل 27.4 مليار دولار، إذ ستعتمد الحكومة على تقليص نفقات الأجور الخاصة بالمستخدمين من خلال عدم تعويض الإحالات على التقاعد والمقدرة بأكثر من 11300 منصب عمل وتقليص التوظيف، وهو ما يسمح لها باقتطاع 60 مليار دينار من كتلة الأجور الخاصة بقطاعات الدولة، هذه الأخيرة ستقدّر بما يعادل 25 مليار دولار عام 2017. وفقا لتقديرات مشروع قانون المالية 2017، فإن كتلة الأجور برسم السنة المقبلة ستقدّر بـ 2730 مليار دينار، أو ما يعادل 25 مليار دولار، بحساب كافة أشكال الدعم المقدمة في مجال التسيير للمؤسسات العمومية الاستشفائية و الدواوين والتي ستعرف تراجعا محسوسا.ومن بين الإجراءات الرامية إلى إبراز سياسات التقشف، تخفيض الدعم للمؤسسات العمومية الإدارية والاستشفائية بـ 4.6 مليار دينار، أو ما نسبته 0.59 في المائة، حيث ستنتقل من 784.3 مليار دينار في 2016 إلى 799.7 مليار دينار في 2017.كما ستتراجع النفقات على التجهيزات والعتاد وتسيير مختلف المصالح بـ 18.9 مليار دينار أو بنسبة 8.9 في المائة، لتنتقل من 213.8 مليار دينار في 2016 إلى 194.9 مليار دينار في 2017. أما بالنسبة لتدخل الدولة، فإنها ستنخفض إلى 318.4 مليار دينار في 2017 مقابل 467.9 مليار دينار في 2017 بتراجع قيمته 149.5 مليار دينار أو بنسبة 31.9 في المائة. وتتمثل بالأساس في مراجعة مساهمة الدولة لفائدة الديوان الوطني المهني للحبوب المخوّل باستيراد الحبوب بـ 20.9 مليار دينار، فضلا عن مراجعة المساهمة الخاصة بالديوان الوطني المهني للحليب بـ 11.7 مليار دينار وخفض الدعم الخاص بالمؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعيوالتجاري بـ 5.7 مليار دينار. وتأتي الإجراءات في سياق ما شرعت فيه حكومة عبد المالك سلال في قانون مالية 2016، قرار بوقف عمليات التوظيف في الوظيف العمومي والقطاع التابع للدولة، وتفعيل عملية الإحالة على التقاعد بعد سن 60.ومن شأن هذا التعديل أن يؤثر على آليات الدعم، وإن كانت الحكومة تعوّل على انخفاض وإحلال الواردات للمواد الرئيسية، منها الحبوب والحليب، وهو ما يتيح لها هوامش حركة.على صعيد متصل، ونتيجة شح الموارد ولجوء الدولة إلى الإقراض الداخلي، فإن الديون العمومية تسجل ارتفاعا محسوسا بنسبة 20.7 في المائة ما بين 2016و2017 أو بما يعادل 26.8 مليار دينار، حيث تنتقل من 108.5 مليار دينار في 2016 إلى 135.5 مليار دينار في 2017. ويرتقب أن يسجل الدين العمومي الإجمالي ارتفاعا خلال السنوات الثلاث المقبلة، نتيجة اعتماد عدة آليات بما في ذلك القرض السندي.أما بخصوص كتلة الأجور، فإن الإشكالية المطروحة في الجزائر تكمن أساسا في الاختلال المسجل في بنية الأجور، حيث تمثّل الفئات الدنيا العدد الأكبر ولكن الحصة الأقل في تركيبة كتلة الأجور. وقد سجل الأجر الأدنى المضمون في الجزائر ما بين 2001 و2012 زيادة بنسبة 5،55 بالمائة، بمعدل 1000 دينار سنويا، حيث انتقل من 8000 دينار في 2001 إلى 18 ألف دينار في 2012. ولكن الزيادة في الأجور بقيت بعيدة عن معدلات التضخم وارتفاع الأسعار، مع اتساع فوارق الدخل بين أفقر فئات المجتمع وأغناها، فضلا عن التباين في توزيع كتلة الأجور بين مختلف الفئات، وعلى الرغم من تركيز السلطات العمومية على ارتفاع كتلة الأجور، فإن هذه الأخيرة لم تفكك بنية هذه الكتلة ومن المستفيد الفعلي من الجزء الأكبر من القيمة المعلنة، والفوارق المسجلة بين أدنى الأجور وأعلاها. والملاحظ أن العديد من الفئات تؤطر أجورها بقوانين خاصة. فنواب البرلمان يؤطر أجورهم القانون رقم 01-01 المؤرخ في 31 جانفي 2001 المتعلق بعضو البرلمان، والمعدل بالأمر 08-03 المؤرخ في 01 سبتمبر 2008، ونفس الأمر ينطبق على أصحاب الوظائف العليا في الدولة الذين ينطبق عليهم المرسوم التنفيذي رقم 90-227 الصادر في 25 جويلية 1990 المحدد لقائمة الوظائف العليا في الدولة، مثل الإدارة والهيئات والمؤسسات العمومية والمرسوم التنفيذي رقم 90-228 المؤرخ في 25 جويلية 1990 المحدد لكيفيات منح المرتبات التي تطبّق على الموظفين والأعوان العموميين الذين يمارسون وظائف عليا في الدولة، المعدل بالمرسوم الرئاسي 07-305 المؤرخ في 29 سبتمبر 2007. أما المنح والتعويضات التي يتقاضونها، فيحددها المرسوم الرئاسي 07-306 المؤرخ في 29 سبتمبر 2007، المتضمن النظام التعويضي للموظفين والأعوان العموميين الذين يمارسون وظائف عليا في الدولة، المعدل بالمرسوم الرئاسي 11-41 المؤرخ في 07 جويلية 2011، يضاف إليهم الهيئات النظامية. وفي المحصلة، تنص المادة الثالثة من القانون 90-11 أن المستخدمين المدنيين والعسكريين التابعين للدفاع الوطني والقضاة والموظفين والأعوان المتعاقدين في الهيئات والإدارات العمومية في الدولة والولايات والبلديات ومستخدمي المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري، يخضعون لأحكام تشريعية وتنظيمية خاصة تتمثل في القانون الأساسي الخاص للوظيفة العمومية، وخاصة الأمر 06-03 الصادر في 15 جويلية 2006.وعلى هذا الأساس، فإن كتلة الأجور في الواقع التي تمثلها نظريا يد عاملة نشطة بحوالي 10 ملايين شخص، تسجل تباينا كبيرا في مداخيلهم وأجورهم، لاسيما الفئات التي تتقاضى أجورا ما بين 18 ألف دينار إلى 40 ألف دينار، وهي عموما من توصف بالفئات الضعيفة، وما بين 50 ألف دينار و120 ألف دينار وهي غالبا ما توصف بالطبقة المتوسطة، وهذه الشريحة هي التي تمثل غالبية اليد العاملة النشطة، لتأتي الشرائح التي تتقاضى ما بين 200 ألف و500 ألف دينار والتي تأخذ نصيبا كبيرا من كتلة الأجور، وإن لم تمثل عدديا نسبة كبيرة، ولكنها المستفيد الأكبر من كتلة الأجور.وقد لجأت الحكومة منذ 2011 إلى زيادات في أجور الموظفين، خاصة الأساتذة والأطباء وأجور أفراد الهيئات النظامية، وبأثر رجعي من جانفي 2008، وبلغ عدد الموظفين في الجزائر حوالي2.5 ملايين من أصل 10 مليون عامل.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات