إنّ أحبّ الشهور إلى الله تعالى الأشهر الحرم، وأحبّ هذه الأشهر إليه سبحانه شهر ذي الحجّة، وأفضل أيّام ذي الحجّة العشر الأُوّلى، التي أقسم الله بها في كتابه تبارك وتعالى، فقال: “وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ”.
قال ابن عباس ومجاهد ومقاتل وغيرهم هي عشر ذي الحجة. وهي أفضل أيام الدنيا كما جاء ذلك عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حيث قال: “أفضل أيام الدنيا أيام العشر”، وقال صلّى الله عليه وسلّم: “ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحبّ إلى الله العمل فيهنّ من أيام العشر، فأكثروا فيهن من التّسبيح والتّحميد والتّهليل والتّكبير”.وأفضال عشر ذي الحجة كثيرة منها: أنّ الله تعالى أقسم بها: وإذا أقسم الله بشيء دلّ هذا على عظم مكانته وفضله، إذ العظيم لا يقسم إلاّ بالعظيم، قال تعالى: “وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ”. والليالي العشر هي عشر ذي الحجة، وهذا ما عليه جمهور المفسرين والخلف، وقال ابن كثير في تفسيره: وهو الصحيح.أنها الأيام المعلومات الّتي شرع فيها الذِّكر: قال تعالى: “وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ” الحجّ:28، وجمهور العلماء على أن الأيّام المعلومات هي عشر ذي الحجة، منهم ابن عمر وابن عباس. وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شهد لها بأنّها أفضل أيّام الدّنيا، فعن جابر رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “فضل أيّام الدنيا أيّام العشر ـ يعني عشر ذي الحجة ـ قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلاّ رجل عفر وجهه بالتراب”.وأنّ فيها يوم عرفة، وهو يوم الحجّ الأكبر، ويوم مغفرة الذّنوب، ويوم العتق من النيران، ولو لم يكن في عشر ذي الحجّة إلاّ يوم عرفة لكفاها ذلك فضلاً، وهو الركن الأعظم من أركان الحجّ، الّذي لا يتم الحجّ إلا به، فالحجّ عرفة كما قال المصطفى صلّى الله عليه وسلّم. وإن عجز المسلمُ عن الصِّيامِ في هذه الأيّامِ، فلا ينبغي أن يعجزَ عن صيامِ يومِ عرفةَ الّذي رغّب في صيامِه النّبيُّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ، وأخبرَ أنّه يكفِّرُ ما كان في سنتين من الذُّنوبِ والآثامِ، فقد روى مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: “وَسُئِلَ – النّبيَّ – عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ”.وأنّ فيها يوم النَّحر، وهو أفضل أيّام السنة عند بعض العلماء، قال صلّى الله عليه وسلّم: “أعظم الأيّام عند الله يوم النّحر، ثم يوم القر”، يوم النحر هو يوم عيد الأضحى المبارك ويوم القر هو اليوم الثاني الذي يستقرّ فيه الحجاج بمِنى ويباشر المسلمون في عيد الأضحى.واجتماع أمهات العبادة فيها، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: “والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصّلاة والصّيام والصّدقة والحجّ، ولا يتأتّى ذلك في غيره(، أي ولا يتأتى اجتماع هذه الطّاعات إلا في هذا الوقت الشريف الفاضل.ومن فضائل العشر من ذي الحجّة أنّها أفضل من الجهاد في سبيل الله، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: “ما من أيّام العمل الصّالح فيها أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من هذه الأيّام –يعني العشر– قالوا يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلاّ رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء”. ومن فضائلها أنّ الله أمر فيها بكثرة التّسبيح والتّهليل والتّكبير والتّحميد فيها. لذا حريّ بنا أن نستقبل مواسم الطّاعات عامة، ومنها عشر ذي الحجة بالتّوبة الصّادقة والعزم الأكيد على الرجوع إلى الله، ففي التوبة فلاح للعبد في الدّنيا والآخرة، يقول تعالى: “وَتُوبُوا إلَى اللهِ جَمِيعًا أيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”. وبالعزم الجاد على اغتنام هذه الأيّام، مع الحرص الشّديد على عمارتها بالأعمال والأقوال الصّالحة، ومن عزم على شيء أعانه الله وهيّأ له الأسباب التي تعينه على إكمال العمل، ومن صدق الله صدقه الله، قال تعالى: “وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا”. وكذلك بالبُعد عن المعاصي، فكما أنّ الطّاعات أسباب للقُرب من الله تعالى، فالمعاصي أسباب للبعد عن الله والطرد من رحمته، وقد يحرم الإنسان رحمة الله بسبب ذنب يرتكبه، فإن كنت تطمع في مغفرة الذنوب والعتق من النار، فاحذر الوقوع في المعاصي في هذه الأيام وفي غيرها؟ ومن عرف ما يطلب هان عليه كل ما يبذل.وينبغي على المسلم في هذه الأيّام أن يجتهد في العبادة من صلاة وقراءة للقرآن، وذكر لله تعالى واستغفار وصدقة وصلة رحم، وغيرها. أستاذ بكلية الدراسات الإسلامية قطر
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات