وزير السياحة، عبد الوهاب نوري، يتهم سابقه (عمار غول) بجرائم فساد وتبديد المال العام بخصوص ملف الفضاء السياحي “دنيا بارك”، ووزير العدل يطالب الشاكي بتقديم أدلته أمام القضاء ليحاكم المشتكى منه محاكمة عادلة! وفي نفس الوقت، يوجه وزير العدل “تعليماته” إلى قضاة النيابة “المستقلين” للتعامل مع قضايا التعدي على الأراضي الفلاحية بشكل صارم، على اعتبار أنها إحدى ثروات البلاد.لا شيء يشبه هذا، سوى ما صرح به أبو جرة سلطني ذات عام، بأن لديه ملفات فساد “ضخمة” ضد وزراء ومسؤولين كبار في الدولة، فانتفض الرئيس بوتفليقة ورد عليه في خطاب علني بأنه “لا يقبل المتاجرة بسمعة الجزائر” وعلى من يملك ملفات فساد أن يقدم أدلته أمام العدالة. ثم “أوعز” للنائب العام بأن يتحرك “تلقائيا” لسماع أبو جرة سلطاني، ليتراجع هذا الأخير ويطلب “السماح” من بوتفليقة كونه “أبو الجميع”!لو كنا في دولة القانون لما وجه الطيب لوح تعليماته لوكلاء الجمهورية للتحرك ضد قضايا الفساد، لأن القانون يلزمهم صراحة بتحريك الدعوى العمومية تلقائيا متى بلغ إلى علمهم، بأي طريق كان، خبر وقوع جريمة. ولكن القضاة يدركون جيدا أن سيف القانون الذي بأيديهم لا يطال سوى “الفاسدين الصغار” ولم يكن يوما لضرب رقاب “الفاسدين الكبار”!هناك احتمالان قانونيان لا ثالث لهما، الأول أن يخطر وزير السياحة وكيل الجمهورية بالوقائع الجرمية التي تخص ملف “دنيا بارك”، وهو ليس بحاجة لذلك، لأن تصريحاته الإعلامية تعتبر بلاغا للنيابة العامة، التي يخولها طلب فتح تحقيق قضائي تلقائيا.الاحتمال الثاني هو أن يحتفظ وزير السياحة بالملفات التي لديه ويطوي الملف والسبب بسيط: أن النظام لن يقبل بتقديم أحد رجالاته أمام القضاء.الحقيقة التي يؤمن بها كل القضاة، ومن بينهم نجل نوري، أن كل من سلمت رؤوسهم للعدالة، لحد الآن، من جنرالات ومسؤولين، كان النظام قد تخلى عنهم وأحرق أوراقهم أو رفع يده عنهم لانتهاء صلاحيتهم.أما الاحتمال “غير القانوني” أن يتخلى النظام عن وزير السياحة ويتم تقديمه إلى العدالة بتهمة إفشاء الأسرار التي تعرف عليها بمناسبة تولي الوظيفة طبقا للمادتين 301 و302 من قانون العقوبات، فيتحول من مبلغ عن “جريمة فساد” إلى مرتكب “لجريمة إفشاء الأسرار”! فهل أصبحت جرائم الفساد من أسرار الدولة؟ وربما أكثر.الجزائر هي البلد الوحيد في العالم الذي يتهم فيه المسؤول زميله المسؤول بالفساد، فلا هذا يودع السجن بما “نسب له” ولا ذاك بما “افتراه”.مشكلة هذا البلد في ضعف عدالته التي أوكل لها الدستور محاسبة المسؤولين الفاسدين، ومنبع هذا الضعف “خوف القضاة من نهايات مؤلمة قد تمس استقرارهم أو بقاءهم بمناصبهم.هل تتوقع يا سعد من قضاة ينتظرون “وزير العدل” لساعات تحت الشمس الحارقة أن يحاكموا وزراء النظام؟ إنهم ينفذون التعليمات... وفقط!خولة الجزائريةأولا: يعلم القراء أن وزير الفلاحة الأسبق نوري ووزير السياحة الحالي كان قد أبعد من وزارة الفلاحة إلى وزارة الري بأمر من سلطات عليا أعلى من الوزير الأول، لأنه رفض التوقيع على التنازل عن مبلغ أكثر من 300 مليار لفائدة (رجل أعمال) اشترى من الدولة مطاحن القورصو بضعف هذا المبلغ، ثم ظهر له أن لا يدفع إلا نصفه عندما تحصل على العقد، وقيل لوزير الفلاحة آنذاك: إما أن توقع التنازل عن 300 مليار لفائدة الشاري وإما ستبعد من وزارة الفلاحة ليأتي مكانك من يوقع ذلك وهو ما حدث. وقد عرفت هذا الكلام من الوزير نفسه عندما كان وزيرا لـ«الماء”. وقد يكون إبعاده من “الماء” إلى السياحة لنفس الأسباب، وقد يبعد ثالثة من السياحة بسبب ملف “دنيا بارك”.ثانيا: الإصلاح الحقيقي للعدالة هو إنهاء حكاية الحصانة للنواب والوزراء من المتابعة القضائية ما داموا محصنين بالنيابة أو الوزارة، وكذلك إنهاء حكاية ازدواجية المعايير بحيث يخضع الوزراء والولاة والنواب إلى إجراءات خاصة عند المتابعة القضائية، عادة ما ترتبط بإرادة الرئيس وحده.ثالثا: وزير الفلاحة الحالي أبعد من الأمانة العامة لهذه الوزارة قبل سنوات بسبب انفجار ملف الشركة العامة للاحتياط الفلاحي، وترددت فيه أسماء وزير الفلاحة آنذاك وسعداني وسجنت إطارات في القضية لعدة سنوات. فماذا حدث حتى يعود هؤلاء بدعم من سعداني؟!
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات