"الأغنياء يستولون على الدعم الموجه للفقراء"

دعا صندوق النقد الدولي السلطات الجزائرية إلى “تجنب أي تجاوزات في الإصلاح، فينبغي وضع آلية مجردة من الاعتبارات السياسية وتستند إلى قواعد لتحديد الأسعار، على سبيل المثال، بربط أسعار منتجات الطاقة المحلية تلقائيا بأسعار السوق العالمية”. وأفاد الصندوق أن “معظم الدعم في الجزائر يفيد الأغنياء أكثر مما يفيد الفقراء”.وتتوالى انتقادات المؤسسات المالية الدولية للجزائر، في ظل تسويق الحكومة “خطابا ورديا” عن استقرار الأوضاع الاقتصادية والمالية للبلاد. وقد كتب الاقتصادي أندرو جويل، المهتم بمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي، حيث يركز على اقتصاد الجزائر، مقالة استنادا إلى دراسة لصندوق النقد الدولي، تخص “ضرورة إصلاح نظام الدعم في الجزائر”.افتقار للعدالة..وأفاد الصندوق بأنّه “في بداية عام 2016، رفعت الحكومة الجزائرية سعر البنزين وغيره من منتجات الطاقة لأول مرة منذ عام 2005. غير أنه بالرغم من هذه الزيادة الكبيرة بنسبة 34 بالمائة، فإن سعر البنزين في الجزائر لا يزال من أقل الأسعار في العالم، حيث يزيد قليلا عن سعر المياه المعدنية. والبنزين الرخيص، مثلما أصبح معلوما، يستفيد منه بصفة أساسية ميسورو الحال. فما أهمية ذلك؟ فالظاهرة تطلعنا كثيرا عن نظام الدعم، وافتقاره للعدالة، وضرورة إصلاحه”.وأوضح الصندوق أن “البنزين، مثل غيره من السلع كثيرة في الجزائر، مدعوم بشدّة. فالحكومة تعتمد على نظام الدعم لمساعدتها في تقاسم الثروة الوطنية من النفط والغاز مع مواطنيها. ورغم أن الهدف نبيل، كما أنه ليست كل أشكال الدعم سيئة، فإن محاولة إعادة توزيع الدخل عن طريق الدعم غير الموجّه للمستحقين تشوبها العيوب. وتبحث دراسة جديدة أعدها الصندوق في أهم عيوب نظام الدعم في الجزائر وتقترح أسلوبا بديلا لدعم محدودي الدخل”.عيوب الدعم..ويقدم الصندوق تحليله استنادا إلى أن “معظم الدعم في الجزائر يفيد الأغنياء أكثر مما يفيد الفقراء. فنجد أن 20 بالمائة من الأغنياء في الجزائر يستهلكون ستة أضعاف ما يستهلكه 20 بالمائة من الفقراء من الوقود (هذه المعلومة مرفقة برسم بياني). وهذا ليس بالأمر المستغرب نظرا لأنّ الأغنياء غالبا يقودون السيارات أكثر من سواهم. وهذا يعني أن دعم الوقود له طابع تنازلي”.ما معنى الطابع التنازلي؟ يفسر صندوق النقد الدولي: “أي كلما زاد المرء ثراء زادت درجة استفادته من الدعم. وهناك كثير من أشكال الدعم الأخرى في الجزائر لها طابع تنازلي، وبدرجات متباينة. وعلى سبيل المثال، نجد أن دعم الكهرباء يعود بالنفع بشكل غير متناسب أيضا على الأغنياء، الذين يحصلون على إمدادات الكهرباء على الأرجح من شبكة الكهرباء الوطنية ويسكنون معظمهم في بيوت مكيفة الهواء”.ويري الصندوق أن “هناك بعض أشكال الدعم تشوبها عيوب جوهرية أخرى. فأسعار الطاقة المنخفضة، على سبيل المثال، أدت إلى ارتفاع سريع في استهلاك الطاقة محليا، ما ترك للجزائر قدرا أقل من النفط والغاز لتصديره، فانخفضت الإيرادات المحوَّلة للموازنة العامة، وتفاقمت مشكلة التلوث والاختناقات المرورية المحلية. كذلك تؤدي كثافة الدعم لبعض المنتجات إلى خلق حوافز للتهريب إلى البلدان المجاورة”. خصوصا في الحدود مع المغرب، حيث كلف التهريب، حسب وزارة الداخلية، 3 ملايير دولار سنويا.تكلفة دعم باهظةوقدّر الصندوق بأن “تكلفة الدعم في الجزائر باهظة، وهو أمر أكثر إثارة للتحدّيات في الوقت الذي تواجه فيه البلاد عجزا غير مسبوق في المالية العامة، بعد هبوط أسعار النفط العالمية. وتشير تقديرات خبراء الصندوق إلى أن تكلفة الدعم على الحكومة بلغت قرابة 14 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2015، وهو نفس مقدار العجز في المالية العامة تقريبا وضعف موازنتي وزارتي الصحة والتعليم مجتمعتين. ويمثل الدعم التنازلي لمنتجات الطاقة أكثر من نصف هذه التكلّفة”.وذكر الصندوق بأن “نظام الدعم لا يُوّفر في الجزائر الدعم الكافي للفقراء، كما يتسبب في حدوث تشوهات تلحق الضرر بالاقتصاد والبيئة، ويزاحم نفقات مهمة أخرى”. ويقترح الصندوق على الجزائر بأن “تباشر الجزائر بخفض معظم الدعم المعمّم تدريجيا وإبداله ببرنامج للتحويلات النقدية، موجهة على وجه التحديد للأسر منخفضة الدخل”.وتابع: “وسوف تكون التحويلات النقدية الموجهة، سبيلا أكثر فعالية لحماية الفقراء. كما أنها ستكون أقل تكلفة من الدعم، ما سيسمح للحكومة بزيادة إنفاقها على جوانب أخرى مثل البنية التحتية والتعليم والصحة، وهو ما يمكنه إعطاء دفعة للنمو وتوظيف العمالة، ولن يكون تخفيض الدعم المعمم تدريجيا بالمهمة اليسيرة. فينبغي توخي الحرص في الإعداد للإصلاح وإبلاغه للجمهور. ويتعيّن على صناع السياسات بناء توافق في الآراء حول كيفية تقاسم أعباء التصحيح بين السكان. وينبغي إلغاء الدعم في الوقت الذي تتخذ فيه تدابير تعويضية لحماية الفقراء”.