الوجه الجديد.. كاسر للتقليد في الجمهورية الخامسة لفرنسا

38serv

+ -

لقب بـ”شوشو” الرئيس فرانسوا هولاند، المدلل منذ 4 سنوات من التحاقه بقصر الإليزيه كمستشار في الظل للرئيس الفرنسي، ليطلق عليه لقب شوكولاطة “كيندر سوربريز”. الثلاثاء الماضي غادر مقر وزارة الاقتصاد والمالية “بيرسي” بباريس بعد الإعلان عن استقالته.

 إيمانويل ماكرون، وزير ليس كباقي الوزراء، صعد السلم التدريجي بسرعة أسرع من البرق، إلى حد طموحاته الكبيرة الخارقة، وجرأته الفائقة في اعتلاء “عرش” الإليزيه، بإبداء نواياه السياسية في خوض غمار العراك الرئاسي لانتخابات 2017، بعد تحرره من الإيديولوجية السياسية، والتزامه بالوفاء والتضامن مع الحكومة طيلة سنتين، منذ تعيينه على رأس الوزارة، شهر أوت 2014، وتفرغه كليا لشؤون حركته السياسية “لنمض قدما”.الوجه الجديد.. كاسر التقليدالوزير المستقيل يعد وجها من الوجوه الجديدة، كاسر كل تقليد، يقول: “إنه لمس السياسة الفرنسية بأنامل أصابعه وتيقن بأنها لا تنتج حلولا لمشاكل الفرنسيين”، راغبا في إحداث ثورة تجديدية في تاريخ الجمهورية الخامسة في فرنسا، من خلال التحويل الذي يقترحه. ليس له حزب، ولا ينتمي إلى أي عائلة سياسية، وليس لديه ماض سياسي، ولم يشارك في أي من الانتخابات، ولم يتم انتخابه كنائب.. كلها نقاط ضعف وقوة مزدوجة في الوقت نفسه، وهذا ما يميزه عن غيره، وما يثير فضول الفرنسيين الآملين في التغيير والخروج من الروتين السياسي التقليدي، وتجريب وجوه جديدة، بدل الأسماء ذاتها التي تتداول كل مرة على أسماع وأنظار المواطنين، مثل مارين لو بان، وميلانشان، وساركوزي وبايرو وجوبيه، وحتى فرانسوا هولاند.قتل الابن أباهويفرض إيمانويل ماكرون نفسه كـ«مطرقة” تضرب النظام السياسي الفرنسي الحالي، فهو ليس اشتراكيا انضم إلى حكومة اشتراكية، ولم يتحصل يوما على بطاقة المنخرط في الحزب الاشتراكي، وعندما كانت لديه خرجات في هفوات متعمدة لقوله بأنه “ليس اشتراكيا” فلم يكذب ولم ينافق أحدا، بل تلك هي الحقيقة التي يعرفها معلمه الذي وضعه تحت جناحه ورعاه ككتكوت صغير. وحسب ما قاله أحد أعضاء الحكومة تعليقا على استقالة ماكرون: “هولاند هو من صنعه وقل ما يلحق الآباء الضرر بأبنائهم، لكن اليوم قتل الابن أباه، برميه المنشفة وترك الباخرة تغرق وراءه”.من ثراء روتشيلد إلى “بريستيج” الإليزيهدخل إيمانويل ماكرون قصر الإليزيه شهر أكتوبر 2012 وسنه لا يتعدى 36 سنة، لا يعرفه أحد على الساحة السياسية الفرنسية، بعدما أتى به فرانسوا هولاند الذي تعرف عليه أثناء مأدبة عشاء عن طريق الشخصية الاقتصادية الفذة بفرنسا “جاك أتالي”، الذي قدمه له من أجل التكفل بالملفات الاقتصادية الثقيلة، نظرا لحنكته وبراعته ودهائه الفائق في معالجة مثل هذه الملفات، كونه نابغة، بعدما كان قد شارك في لجنة تحرير تقرير اقتصادي سنة 2008 في عهدة نيكولا ساركوزي. ومنذ تعيينه على رأس وزارة الاقتصاد والصناعة والرقمية “ببيرسي” شهر أوت 2014، تلقى إيمانويل ماكرون نبأ التعيين بـ«المفاجأة” التي لم يكن يحلم أن تتحقق في سرعة أقل من البرق، يصير فيها وزيرا على “عرش” الاقتصاد الفرنسي، وهو الذي خرج من ثراء بنك الأعمال “روتشيلد” كمسير مباشرة إلى “بريستيج” الإليزيه وبحبوحة “بيرسي”، خلفا لنظيره السابق آرنو مونت بورغ، عقب خلاف هذا الأخير مع رئيس الحكومة مانويل فالس.جريء وليبرالي، اقتصادي واجتماعي، ومثير لإعجاب “الميداف”لم يتردد إيمانويل ماكرون في اتخاذ مواقف مخالفة تماما لرموز الحزب الاشتراكي بشكل مغاير تماما لزملائه “المتمردين” الذين غادروا المعسكر قبله، قارب كثيرا فيها اليمين، وأثار إعجاب العديد منهم، الذين توافقوا معه، على رأسهم رئيس منظمة أرباب العمل بفرنسا “ميداف”، بيار غاتاز، خاصة عندما قال في لقائه مع أصحاب المؤسسات، بخصوص مسألة ساعات العمل 35 ساعة): “من قال إن فرنسا يمكنها أن تطور تنميتها بالعمل لساعات قليلة فهو مخطئ، وهذا خطأ كبير”، في إشارة إلى الحزب الاشتراكي، كما اشتهر بليبراليته الاقتصادية والاجتماعية في الوقت نفسه، حيث أصبح الوجه الليبرالي الجديد في عهدة هولاند، قاربت شعبيته 52 في المائة، تكمن قوته في حمله أفكارا جديدة دافع عنها بكل قوة.قانون “ماكرون 1”.. أول قانون يمر بقوة الدستور في عهدة هولانديعد قانون “ماكرون 1” أول قانون يمر في البرلمان من دون تصويت، بقوة الدستور، بتوظيف المادة 49 فقرة 3، حمل أفكاره الجديدة من أجل التنمية والنشاط الاقتصادي، يتميز بنص حافل من الإجراءات الإصلاحية في المنظومة الاقتصادية الفرنسية، لم ترض الجميع داخل معسكره من الحزب الاشتراكي لاقترابها من اليمين الليبرالي، كساعات العمل خلال نهاية الأسبوع في يوم الأحد، والإصلاح الذي شمل الموثقين والمحضرين القضائيين والمحامين بخفض أثمان سلم الأسعار من 5 إلى 2 في المائة، إلى جانب تحرير قطاع النقل وإقحام الحافلات المعروفة بحافلات “ماكرون” والتي حققت رقم أعمال معتبرا بتسجيلها 3 ملايين مسافر في السنة، وخلقها 1500 منصب شغل، مدعمة الخزينة العمومية بـ 21 مليار أورو، ونسبة نمو قدرها ديوان الصناعة والاقتصاد بـ 0.05 في المائة، مرجحة للارتفاع خلال 5 سنوات إلى 0.03 في المائة.قانون “ماكرون 2” يفشل ويواجه قيود معسكره الغاضب منهكما أحدث قانونه الثاني الذي يحمل تسمية “ماكرون 2” زوبعة داخل البيت السياسي الاشتراكي، لما تم الكشف عنه من نقاط ضعف للتنمية الاقتصادية الفرنسية والتحديات التي تواجهها أمام الرقمية والعولمة. قانون جديد صدم الكثيرين من معسكره داخل الحكومة، إذ قال: “أنا في حكومة من اليسار، ولكن ما من أهمية”. كان ذلك في تصريح له بتاريخ 19 أوت المنصرم، زاد ذلك من توجيه انتقادات لاذعة له، علنا، من دون حرج من زملائه في “بيرسي”. وتواصلت مفاجآته داخل حكومة “فالس رقم 2” حيث ذهل الجميع بإعلانه يوما إلغاء الضريبة على الثروة، كما أغضب في العديد من المرات أعضاء الحكومة بخرجات في غير محلها، مثلما فعله عندما شتم أحد العمال الذي اعترض طريقه مخاطبا إياه “الطريقة الأفضل من أجل دفع ثمن طاقم “كوستار” (بذلة أنيقة) هي العمل”، بل أبعد من ذلك حضر احتفالات تكريم جان دارك بتلبية دعوة عمدة أورليون للجمهوريين، وأثار بذلك غضب مانويل فالس، إلى حد توبيخه تحت عدسات الكاميرات داخل الجمعية الوطنية.نقص الخبرة في الاحتكاك بالشعب وعدم الإحساس بآلام البسطاءأشعلت جملته التي قالها للعامل البسيط فتيل غضب أكبر وأقوى نقابة عمال في فرنسا “سي جي تي” الرافضة في الأساس لقانون العمل المسمى “خمري”، الذي له فيه يد طويلة في العمق، حيث استقبله نشطاء هذه الأخيرة (النقابة) بمنطقة “مونتروي” بالضاحية الباريسية بالرشق بالبيض، ومن ثمة صار المناخ داخل “بيرسي” ثقيلا نوعا ما، خاصة بعد تجاوز الوزير مهامه وتدخله في شؤون الوزارات الأخرى، ما دفع البعض من شاغلي “بيرسي” لأن يضعه عند حده بإكثار الحديث عنه في أروقة الطوابق وفي الكواليس، إلى درجة تسريب المعلومات إلى وسائل الإعلام، كتدخله مثلا في قضايا الجمركيين. كما لا يحظى إيمانويل ماكرون بدعم من جميع أعضاء الحكومة، إلى جانب النواب، إلا الأقلية منهم، وقد تم تركه وحيدا لمعرفة الجميع بنواياه في خوض العراك الرئاسي لرئاسيات 2017.حركة ماكرون “لنمض قدما”.. هزة سياسية للمعسكر الاشتراكيفي السادس من أفريل 2016، أطلق إيمانويل ماكرون، 38 سنة، حركته السياسية “لنمض قدما” (En Marche) بمسقط رأسه “أميان” في شكل تركيبة جديدة شعارها “لا ننتمي لا إلى اليمين ولا إلى اليسار”، من أجل خوض غمار رئاسيات 2017، غادر من أجلها “بيرسي” من أجل التفرغ بشكل كلي لشؤون السياسة، بكل حرية مطلقة، ومن دون قيود، لكن قبل ذلك نزل خبر إطلاقها كالصاعقة على أعضاء الحكومة، واستغرب البعض منهم عدم اتخاذ الرئيس فرانسوا هولاند عقوبات في حقه، أو إقالته مباشرة، واستمر “مدلل” هولاند أو الـ«شوشو”، في تصريحاته إلى حد وصلت إلى تحذير وإعادة تأطيره من قبل هولاند، ومن طرف الوزير الأول مانويل فالس أيضا، الذي لطالما دخل في نزاعات معه عقب خرجاته غير المسؤولة، والتي كان يبررها في كل مرة بحماقة منه، ثم يعيد الكرة، كان آخرها ذلك التجمع في 12 جويلية الفارط، عندما تجاوز كل الحدود، وجمعه لحوالي 4000 مناصر داخل حركته، جلهم من الشباب، على الطريقة الأمريكية، قال فيه إيمانويل ماكرون “لنمض قدما، ولا أحد سيوقفنا إلى غاية الانتصار، وإلى غاية الفوز في 2017”.وجه له هولاند حينها إنذارا قال فيه: “احترام القانون يعني البقاء في الحكومة، والإخلال به يعني الرحيل عنها”، وهو بالفعل ما تحقق باختيار الوقت المناسب والتريث وانتظار الدخول السياسي، كي “يفجر” قنبلته، ويرحل دون أن يحظى بدعم العديد من زملائه، لكنه في المقابل يحظى بدعم رجال الأعمال والمقاولين وأصحاب المؤسسات و40 نائبا، إلى جانب عمدة ليون “جيرار كولومب”، والنائب عن “بريست”، الاشتراكي، فيما تضم حركته 70 ألف منخرط، وهي الحركة الفتية التي لا يستهان بها، جمعت كل شباب الضواحي، والراغبين في التجديد، والرافضين للتقليد، بالإضافة إلى جمع الحركة 100 ألف اقتراح ورأي من عامة الناس وسط الشارع الفرنسي، سيرتكز عليها إيمانويل ماكرون لإعداد برنامجه الانتخابي في حال ترشحه، شريطة عدم تقدم هولاند للرئاسيات، وربما فكرة عدم ترشح فرانسوا هولاند هي التي راودته عقب كل ما تشهده الساحة الفرنسية من أحداث، وشجعته على اتخاذ هذه الخطوة الجريئة، التي لطالما ذكره فيها معلمه هولاند بالالتزام بمسألة الوفاء الشخصية والولاء، لكن نقطة ضعف إيمانويل ماكرون تكمن في نقص خبرته في الاحتكاك بالشعب الفرنسي.متزوج من أستاذته التي تكبره بـ 20 سنة ولديها 6 أحفادولد إيمانويل ماكرون في 12 جويلية 1977 بمنطقة “أميان”، شمالي باريس، من أبوين طبيبين، كلاهما بروفسور في المستشفى الجامعي لبلدية “أميان”، تحصل على العديد من الشهادات الجامعية في العلوم السياسية والفلسفة، ثم التحق بالمدرسة الوطنية للإدارة، تزوج سنة 2007 بأستاذته في اللغة الفرنسية، بريجيت ترونيو، التي تكبره بفارق 20 سنة وأم لثلاثة أطفال، وجدة لـ6 أحفاد. لكن إيمانويل ماكرون ليس لديه أطفال، حائز على عدة جوائز في الموسيقى والمرتبة الثالثة في العزف على البيانو.حركته السياسية فتحت المجال أمامه للظهور علنا والكشف عن حياته الخاصة بتصدره صفحات المجلات الفرنسية كـ«باري ماتش”، والظهور مع زوجته مثل الزوج ساركوزي، وتركت زوجته عملها للتفرغ لمساندة زوجها وتقديم الدعم له في عمله. 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات