38serv
انقلب سوق السيارات المستعلمة أو “القديمة” في ظرف سنتين، رأسا على عقب، فلم يعد يحكمه لا قانون ولا عرف ولا عادة. فالأسعار التي كانت تخضع إلى العرض والطلب، والسيارة لا تُباع إلا إذا جرى “مساومتها” في السوق، فلا يزيد سعرها ولا ينخفض إلا في حدود المعقول، أما حاليا، في ظل أزمة السيارات الجديدة، فالمركبات تباع بالسعر الذي يحلو لصاحبهاوإن كانت قيمتها تتجاوز أضعاف سعرها الحقيقي. السيارات المستعلمة في الجزائر، قبل عامين، كانت العامل الوحيد الذي يتحكم في تحديد سعرها هو مدة سريانها بالكيلومتر، أي الانتباه إلى قوة المحرك قبل نظافة الهيكل، حتى ولو تعلق الأمر بسيارة تحمل ترقيم التسعينيات، المهم بالنسبة للشاري “ما تكونش ماشية بزاف”، حسب التعبير العامي.أمّا الآن، وبعدما خيّم على سوق المركبات شبح السيارات الجديدة، التي عرفت أسعارها ارتفاعا جنونيا، بسبب دفتر الأعباء الجديد الذي فرضته الحكومة على وكلاء السيارات الجديدة، فقد عادت السيارة المستعملة بنفس قيمة سيارة جديدة. فالعبارة التي يقابل بها بائع لسيارة “كيا بيكانتو” على سبيل المثال، وقد وصل سعرها حوالي 200 مليون سنتيم، الشاري وهو مذهول من ثمنها الباهظ، “روح اشريها جديدة إذا وجدتها”، أي أن ندرة السيارات الجديدة فعلت فعلتها ورفعت سعر “القديمة” نحو السماء. إطلاق تعبير أن “السيارة أصبحت من الكماليات” لا يوفي وصف الواقع المر لسوق السيارات المستعملة، فمن غير المعقول أن ترتفع أسعارها بنسبة تجاوزات 200 بالمائة، فالسيارة التي كانت تباع جديدة بـ102 مليون سنتيم بكامل التجهيزات، أضحت الآن يقارب سعرها 170 مليون سنتيم، أما السيارة بقيمة 234 مليون سنتيم، وهي “بيجو 308” على سبيل المثال، فسعرها قفز إلى 339 مليون سنتيم.سوق تيجلابين (ولاية بومرداس) للسيارات المستعملة، وحسب الأصداء التي تصل منه، أصبحت أسعار السيارات فيه “نار.. نار.. نار”، فلا يقترب منه إلا الذين تعودوا على شراء وبيع السيارات في ولايات أخرى، لكن مع هامش ربح ضئيل لا يصل في أقصى الحالات 15 ألف دينار، عكس السنوات الفارطة. وأمام هذا الواقع، تهرول الكثير من العائلات إلى السيارات القديمة جدّا الحاملة لترقيم سنوات الثمانينات والتسعينات، التي لاتزال أسعارها معقولة، هذا في مقابل سقوط أحلام الكثير حتى لاقتناء السيارة الصينية الشهيرة “شيري كيو كيو” التي كان سعرها قبل 2014 لا يتجاوز 60 مليون سنتيم، هي الآن 110 مليون سنتيم، ولمن استطاع إليها سبيلا.وتفيد مصادر من قطاع السيارات بأن الحكومة بصدد اعتماد منظومة جبائية جديدة ترتكز على الهوامش في عمليات البيع للأملاك القديمة، وتسعى السلطات العمومية من وراء مثل هذه التدابير إلى فرض رسم على هامش الربح، وبالتالي إعادة تأطير وتنظيم سوق المنتجات والمواد المستعملة، على رأسها سوق السيارات الذي يعرف رواجا في زمن يعرف فيه سوق السيارات الرسمي انكماشا كبيرا مع فرض رخص استيراد وتسقيف الاستيراد بـ152 ألف وحدة لكافة المركبات.وتسعى الحكومة إلى تعويض النقص المسجل في سوق السيارات، بإعادة استيعاب أكبر قدر من التعاملات غير الرسمية للسوق الموازية للسيارات، من خلال إشراك وكلاء السيارات، ومن ثم تقليص نشاط الأسواق الموازية التي نمت خلال العقدين الأخيرين بقوة، حيث أضحت أسواق “الحراش، تيجلابين، سطيف، العلمة، مستغانم” بارومترا حقيقيا في مجال الأسعار والتعاملات لمختلف العلامات، في غياب شبكية أسعار منظمة ومقننة وقلة العرض لدى وكلاء السيارات وتأخر مدة التسليم.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات