+ -

يعدّون كل العدة كي تكون حفلات زفافهم على طريقة الملوك يخطفون بها الأضواء، فيستأجرون بأسعار خيالية قاعات حفلات في أرقى الفنادق، ويتسابقون على صنع أغلى الحلويات المحشوة باللوز والجوز والفستق يصل سعرها حتى 400 دينار جزائري للحبة، يتباهون ليلة “الحنة” بجهاز العروس والهدايا قطعة بقطعة أمام الضيوف، وطبعا فساتين “تصديرة” العروس لا بد أن تكون الأحسن والأجمل من بين باقي فساتين معارفها وقريباتها، من دون الحديث عن موائد العشاء المزينة بكل ما لذ وطاب من مأكولات ينتهي جزء منها في المزابل.. وفي الأخير، بذخ وتبذير بفاتورة ضخمة قد تجر البعض منهم إلى دخول القفص الزوجي مكبلين بسلاسل الاستدانة، المهم أن حفل زفافهم أصبح حديث الخاص والعام.

 أضحى البذخ والتبذير ميزة أعراس الكثير من الجزائريين باختلاف مستوياتهم والولايات التي ينحدرون منها مدنا وأريافا، وأصبحوا يتسابقون على إرضاء ضيوف يستحيل إرضاؤهم حتى لو تطلب الأمر فاتورة بالملايين.“الخبر” تحدثت مطولا إلى صاحب قاعة حفلات بدالي ابراهيم في العاصمة، الذي وافانا بجميع تفاصيل أعراس الزوالية التي أصبحت تكاليفها في السنوات الأخيرة خيالية، حيث قال “مراد”: “لقد تغيرت عادات الأعراس كليا في العاصمة من عشاء بطبق “كسكس” أو “طعام” كما يحلو للعصاميين تسميته، إلى ولائم كبيرة للمشوي حتى ولو كان ذلك على حساب الجيب أو بالكريدي”. يسرد محدثنا قصة مماثلة قائلا: “تستحضرني قصة إحدى العائلات البسيطة أعرفها عز المعرفة، فدخلها لا يمكن أن يتعدى الـ40 ألف دينار أقامت حفل زفاف ابنها في هذه القاعة بـ35 مليون سنتيم، لم أر في حياتي فخامة مماثلة، سبعة أنواع من الحلويات مصنوعة من الجوز واللوز وحتى الفستق دون الحديث عن الحلويات الجافة الموضوعة فوق الطاولة والمرفوقة بمناديل ورقية وأزهار رائعة، إضافة إلى أجود أنواع المشروبات الموجودة في العاصمة، لتختتم حفلة العرس بعشاء ملكي، حيث نصبت طاولات لا متناهية على طول مساحة القاعة وضعت عليها أنواع من الأكلات تسيل اللعاب كالبوراك والحريرة والسفة والمثوم، إضافة إلى لحم الخروف المشوي، لتنتهي الطاولات بالمشروبات الغازية ونوعين من الفاكهة، بينما وضعت في نهاية القاعة طاولة أخرى من القهوة والشاي لمن أراد ذلك، هذا دون الحديث عن الزينة التي وضعت على الطاولات كالشموع والأزهار. والغريب في الأمر أن صاحب العرس يفتخر بأنه اقترض مبلغا ماليا ضخما من أحد أقربائه وهو محتار كيف سيعيده، كما لاحظت مؤخرا أن بعض العائلات أصبحت تقتني حتى العلك وتضعه في طاولة العشاء”.حلويات بـ400 دينار للواحدةانتقلنا بعدها إلى منزل إحدى النسوة اللواتي يصنعن حلويات الأعراس في حي شوفالي بالعاصمة، تقول مريم: “أمتهن صنع الحلويات منذ سبع سنوات، فبعدما كانت الغريبية وكعك النقاش والمخبز تحتل موائد الأعراس انقرضت اليوم وعوضت بأنواع أخرى من حلويات اللوز والفستق، ورغم أسعارها المرتفعة التي تصل إلى 200 دينار إلا أن الإقبال عليها كبير حتى من طرف العائلات ذات الدخل المتوسط”. وتضيف مريم “الصيف الماضي صنعت نوعا جديدا من الحلويات ثمنها 400 دينار وهي مكونة من جميع أنواع المكسرات والحليب المحلى المركز “نسلي”، والغريب في الأمر أن جارتي في العمارة هي من أرادت صنعها لحفل زفاف ابنتها، رغم أن زوجها متقاعد ولا يملكون دخلا آخر لكنها لسبب بسيط أرادت أن تثبت لمعارفها أنها قادرة على إقامة حفل زفاف ملكي حتى ولو دفعها الأمر إلى اقتراض الملايين”.اقتراض الملايين ورهن المصوغاتتحظى الأعراس في مدينة قسنطينة بأهمية كبيرة من خلال التحضيرات لها التي تنطلق بسنة كاملة مع موعد تحديد العرس أو الأفراح بصفة عامة، خاصة أن هذه الأخيرة تحتاج إلى ميزانية لا تحدّد في بادئ الأمر مع وضع المخطط العام لكيفية إحيائها، هذه الأخيرة التي يبقى رقمها قابلا للارتفاع، كون التجار يستغلون الصائفة لرفع الأسعار إلى الضعف. تمكنت العائلات في قسنطينة، ولحسن الحظ، من المحافظة على العادات والتقاليد الموجودة بالمدينة منذ سنوات الخمسينات، وتتقيد بها في كل المناسبات والأفراح من خلال اللباس الذي يرمز لعاصمة الشرق أو بالنسبة للأطباق والحلويات بأنواعها وأشكالها، هذه الأخيرة عرفت بعض مظاهر العصرنة أدت إلى إرهاق جيب العائلات وأهل العروسين، الذي يؤدي إلى اقتراض الملايين وحتى تقديم مصوغاتهم للرهن والحصول على مبالغ مالية تمكنهم من مجاراة تكاليف العرس.الوليمة بـ5 أطباقوقد تعوّد القسنطينيون وفي كل الأعراس على موائد معينة وأطباق لا يمكن الخروج عنها هي مصنفة في نقطة العادي، حتى وإن أثارت استغراب الوافدين عليها من خارج الولاية، حيث أصبحت وليمة الغداء أو العشاء تصل إلى 5 أطباق أساسها الشربة بنوعيها البيضاء أو الحمراء، يليها الطبق الثاني الذي يكون “الطاجين المالح” ثم “الطاجين الحلو” يرافقها “خبز الدار”، لتنتهي بأكلة تقليدية للمعجنات سواء “تريدة” أو “شخشوخة” أو “ڤريتلية” وغيرها، وتتعدى أحيانا إلى طبق خامس يتماشى مع الأطباق الحديثة أو التقليدية التي تضاف إليها اللمسة العصرية، دون نسيان المقبلات ومختلف السلطات التي أصبح التفنن فيها دون حدود، لينتهي في الأخير مسلسل الأكل بنوعين من الفاكهة والمشروبات الغازية، وهو حال جميع الأسر سواء الغنية أو الفقيرة، هذه الأخيرة التي تعاني الأمرين في حال تحضيرها لعرس العائلة، حيث تجد صعوبة في الخروج عن هذه العادات.وتتعدى وليمة الأفراح بقسنطينة إلى قهوة المساء، وهي ركن قار جدا ويتطلب على الأقل 5 أنواع من الحلويات تكون البقلاوة ملكتها في الرقم 6 ويصاحبها المربى المصنوع في المنزل، والإشكال الحاصل حاليا أنه تم إدخال أنواع جديدة مكلّفة جدا وتحتاج طريقة استعمالها إلى الجوز واللوز، حتى المقتنيات الخاصة بما يسمى بـ«سينية العصر” تأخذ الملايين في إعدادها، والبعض يلجأ إلى عادة “السماطّ” التي تكون في آخر الوجبات والمتمثلة في “المحلبي” أو “المشلوش” أو “الفلان” الذي يؤكل بـ«الشريك” والفاكهة.22 خروفا في ليلة واحدةكانت الأعراس في تلمسان تخضع لمعطيات اجتماعية واقتصادية، لكن اليوم تكاليفها أصبحت باهظة وفقدت الكثير من خصائصها، حيث تم التخلي عن المنزل الذي كان بالأمس مكانا لإقامة الأعراس، وحلت مكانه قاعات الحفلات بأسعار تتراوح بين 12 إلى 20 مليون سنتيم، ليقام العرس ويستدعى الضيوف لتناول وجبة الغداء التي عادة ما تكون عبارة عن الحريرة والفلفل والسلطة واللحم بالبرقوق والمشمش، بينما تخصص الليلة لأفراد العائلة والأقارب الذين يجتمعون على حفلة فنية أندلسية.وفي هذا الصدد، يقول جمال من مدينة تلمسان إن أعراس اليوم تختلف عن أعراس الأمس، فالتكاليف غالية، إذ أن كراء قاعة الحفلات مع مصاريف الأكل تكلف قرابة 60 مليون سنتيم.ويشاطره الرأي “ل.عبدو” من بلدية سيدي الجيلالي، إذ يقول إن “تكاليف الزواج مكلفة جدا، فالشخص البسيط يلزمه 100 مليون ليقيم عرسا بسيطا، أذكر أنه في زفافي تم ذبح 22 خروفا في ليلة واحدة، حيث تناول الضيوف المشوي”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات