طرحت عدد من دور النشر الفرنسية في السنتين الأخيرتين (2015-2016) ما يقارب خمس قصص مصورة تتناول الجزائر وعلاقتها بفرنسا ونضال الشعب الجزائري خاصة في مرحلة الثورة التحريرية، منها “قميص من أجل الجزائر” و”سلام توبيب” وغيرها، صدرت القصص بعد أن بدأ يعرف هذا الفن رواجا في سوق الكتاب الفرنسي، وبالتزامن مع اقتراب موعد الصالون الدولي للكتاب بالجزائر.
يتجاوز الدور الذي تلعبه “القصص المصورة” المعروفة بـ«بوند ديسيني”، حدود التسلية، فهي مادة هامة في فرنسا، يستخدمها أحفاد “الأقدام السوداء” والجنود السابقين للمستعمر الفرنسي، لحكاية ذكرياتهم ورسم ملامح الماضي المشترك بين الجزائر وفرنسا، عبر منح القارئ والأطفال خصوصا، جرعة تاريخية تسرد حنين “الأقدام السوداء” إلى الجزائر.من “سوبرمان” إلى “الثورة الجزائرية”عادة ما ترتبط كتب “القصص المصورة” لدى الأطفال بحكايات الخيال، وأشهرها، قصص “سوبرمان” و«الرجل الوطواط” و«ميكي ماوس”، وغيرها من القصص التي تعيش طويلا في ذاكرة الأطفال بفضل تقنية “القصص المصورة”، غير أننا نجد مؤخرا، اهتماما بارزا لدى من يكتبون ويرسمون هذه الأعمال، بموضوع الثورة التحريرية، كما يقول رسام الكاريكاتير وأحد رواد فن “القصص المصورة” الأمريكي الشهر ويل إيسنر 1917-2005، أن هذا الفن يتمتع بقدرة كبيرة على تفسير الأشياء ونقل الإحساس بالحكاية، وتقول مجلة “لوباس” الفرنسية، إن هذا الفن التاسع، نجد له اهتماما كبيرا عند دور النشر الفرنسية، التي باتت تهتم بموضوع معركة الجزائر والثورة، حيث يوجد على الأقل خمس دور نشر فرنسية، قررت التوجه إلى طباعة هذه الأعمال، منها دور نشر كبيرة مثل “ديكورت” و«كاسترمان” الذين أعطوا الكلمة لمن عايشوا فترة الثورة الجزائرية، من جنود فرنسيين وأحفاد “الأقدام السوداء”، ليحكوا للأطفال ذاكرة الثورة التحريرية من زوايا مختلفة، بأسلوب مختلف يحمل الكثير من الجمال والصراع والحزن أحيانا.أحفاد “الأقدام السوداء” تبييض الماضي الأسود“الفاشيون، الجلادون، الغزات” كلها ألقابٌ لا تزال تزعج أحفاد الأقدام السوداء، هذه الأوصاف التي ينعت بها أجدادهم الذين عاشوا “مستعمرين في الجزائر”، هي غصّة في حلق الأحفاد، الذين يريدون تطهير الصورة بأي ثمن، لهذا يرسم الأحفاد صورا عن الحنين إلى الجزائر ويكتبون القصص المخبأة في ذاكرتهم الوردية، حيث يكون الرهان على مخيلة الأطفال وأجيال المستقبل، بعد أن استعصى عليهم محو تلك الصورة السلبية من ذاكرة الجزائريين الذين عايشوا الثورة التحريرية الكبرى، لهذا نجد وجهة نظر لحفيد الأقدام السوداء، هي الأكثر انتشارا بين نصوص وصور كتب “القصص المصورة”، كما يحملنا الرسام الفرنسي ماحي غراند والكاتبة أولفيا بورتون إلى ذاكرة الصورة، وإلى ذكريات جدها في الجزائر، كما تضعنا في كتاب بعنوان “الجزائر كانت جميلة مثل أمريكا”.ونلمس في هذا المؤلف الصادر عن دار “ستينكيز” الفرنسية في حدود 173 صفحة، ذكريات “الأقدام السوداء” التي تلونت ببريق الحنين إلى الماضي.كما أنجز السيناريست والرسام الفرنسي جوال ألسندرا، حكاية “ابن صغير للجزائر” صادرة عن دار نشر “غسترامان” الفرنسية عام 2015، بكثير من الحنين ومشاعر الانتماء إلى الماضي، فهو يعود في هذه القصة إلى تفاصيل “الأقدام السوداء”، هم جده ووالده وعائلته الذين عاشوا في الجزائر، كما يقول في مقدمة الكتاب: “توفي والدي، مثل جدي، جدتي، أعمامي وعماتي، وبقيت مع ذاكرتهم، ألمس ذلك الإحساس”، هكذا يحاول الكاتب الفرنسي العزف على وتر الذاكرة والحنين إلى الماضي والانتماء، ليمنح القارئ تذكرة السفر إلى ماضيه الذي ارتبط رغما عنه بـ«صفة ابن الأقدام السوداء”، كما يقول: “كنت طفلا في سبعينيات القرن الماضي، يقال لي ابن الأقدام السوداء، العنصري، الفاشي كان الناس يصرخ في وجهي”. تقدم في رفوف المكتبات الفرنسية، “قصص مصورة”، رؤى مختلفة عن التاريخ الجزائري، هناك الكثير من المشاعر التي وجد الفرنسيون من أسلوب “القصص المصورة” مساحة للتعبير عن مدى التزامهم بالتاريخ، غير أن ما يجمعهم هو الإحساس المشترك بضرورة “إدانة الحرب”، تلك الكتب المخصصة للأطفال، هي شهادات نادرة لا يسلط عليها الضوء كثيرا، كحكاية الجندي الطبيب الفرنسي الذي عاش جزائري القلب، كما يضعنا كل من الفنان الرسام الفرنسي مارك فيدينس والسيناريست الفرنسية كلار دلانغوس، هذه السنة في قالب حكاية تعود فصولها إلى الثورة الجزائرية، حكاية حقيقية ظلت مجهولة، وجد فيها الكاتب مادة رائعة لتكون عمله الجديد في قالب “القصص المصورة” بعنوان “سلام توبيب”، وهو يحكي قصة الأطباء العسكريين الفرنسيين الذين تم استدعاؤهم للعمل في الجزائر خلال الفترة من 1951 إلى 1961، تلك الذكريات هي في كتاب الجندي الفرنسي السابق ألكسندر تيكوميروف صادر عن دار “غيتون نوسيك” بعنوان “شمس محرقة في الجزائر، حسب القاص”، الذي اختار أن يحاكي شبابه عندما كان جنديا في صفوف الاستعمار الفرنسي.رشيد مخلوفي يلهم “القصص المصورة” في فرنسافي مقابل ذلك، نجد في حقيبة دور النشر الفرنسية، حكايات جميلة تقدمها “القصص المصورة” الفرنسية، عن نضال الشعب الجزائري. ففي جديد سوق “القصص”، هناك تاريخ إنشاء الفريق الوطني الجزائري لكرة القدم، بفضل رشيد مخلوفي ورفاقه الذين لم يجدوا سوى موهبتهم في رياضة كرة القدم، مادة للتعبير عن حق شعبه في الحرية والاستقلال، وهنا نلتقي برشيد مخلوفي على غلاف كتاب “قميص من أجل الجزائر” لكريس وبيرتراند غاليس صادر عن دار “أير ليبرات”2016 الفرنسية، اللذان يعانقان حكاية مخلوفي، والتحدي والقوة التي كان يتمتع بها الرياضيين الجزائريين خلال الثورة، وهم معهم أسلحة من نوع خاص للتعريف بالقضية الجزائرية، وحق الشعب الجزائري في الاستقلال، عبر حكاية أربع من اللاعبين الجزائريين الذين عرفوا كيف يرفعوا اسم الجزائر في مونديال 1958، على رأسهم اللاعب الدولي رشيد مخلوفي “79 سنة” عندما كان شابا يحلم أن تكون الجزائر بلدا مستقلا. وهو ما رفع من عزيمتهم وحقق انتصارات خالدة بلغت 65 فوزا من أصل 91 مباراة، كما يقول الشهيد فرحات عباس مفاخرا بالإنجازات التي حققها مخلوفي ورفاقه، عندما يخاطب فرنسا: “لقد ربحت على مدار عشر سنوات بفضل الجزائريين”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات