“أحداث” و”تصريحات” ريو دي جانيرو، المثيرة للجدل، القطرة التي أفاضت الكأس، فيما يعرف بـ”الفساد الرياضي”، فقطاع الرياضة، رغم أنه من بين أهم القطاعات التي ابتلعت أموالا ضخمة من الخزينة العمومية، جراء الريع البترولي، كانت بمنأى عن جدال الفساد، لسنوات طويلة، وبمنأى عن مساءلات نواب البرلمان، الذي يصنف الرياضة من “الكماليات”، رغم أنها التهمت حوالي 10 آلاف مليار سنتيم في أربع سنوات. جدل تهاوي المال العام بين أرجل مسؤولي الرياضة، أو بعض من هؤلاء، أثاره العداء توفيق مخلوفي بجرأة كبيرة، لكن، لحد الآن لم تواز هذه الجرأة جرأة حكومية، أو على الأقل “إعلان نوايا” بفتح تحقيقات، بما نسب لمسؤولي الأولمبياد الجزائريين، الذين “حصدوا الريح” من أموال الشعب التي صرفت.أموال الشعب ضُخّت لتلميع صورة الجزائر فأساءت إليهامن يحاسب من في فضائح البرازيل! مخلوفي ومحرز بألف مسؤول رياضي جزائري من المسؤول، سياسيا، عن الإخفاقات الأولمبية الجزائرية، في البرازيل؟ لا يمكن فصل الجانب الرياضي عن شقه السياسي، خاصة وأن الرياضة بالجزائر خضعت للتسييس، منذ تحولت إلى قطاع يبتلع المال مثلما تبتلعه قطاعات أخرى أكثر حيوية، وهي مثلها مثل قطاعات أخرى تخمت مالا عائدا من ريع البترول، لكن حصاد الرياضة، في صورة نتائج أولمبياد ريو دي جانيرو، لم تكن ثماره منسجمة مع الزرع المالي الذي ضخ في حقل الرياضة منذ سنوات.ومادام الرياضة بالجزائر سيّست إلى مصاف تواجد رياضيين، تحت قبة البرلمان وتحت راية أحزاب سياسية، كممثلي الشعب، فإن البحث عن المسؤولية السياسية إزاء إخفاقات ريو، تجد لها مبررا، يقتضي محاسبة المسؤولين الفعليين عن ضياع المال العام بين أرجل الرياضيين، وأرجل السياسيين، قياسا بالتصريحات المثيرة للرجل الاستثناء، توفيق مخلوفي، ليست مسؤولة، في نموذج ريو، عن الفشل في رفع الراية الجزائرية، وإنما المسؤول هو عراب الممارسات التي قامت بها “حكومة موازية” لحكومة عبد المالك سلال، ووزيره الهادي ولد علي، التي تحولت من “مناول” محل ثقة، لدى وزارة الشباب والرياضة إلى حكومة تأمر وتنهي وتصرف المال العام كيفما شاءت، وهو الوصف الذي لم يخطئ الوزير السابق للرياضة، عبد العزيز درواز، في تبنيه، عندما تحدث عن استحواذ اللجنة الأولمبية على صلاحيات وزارة الشباب والرياضة، المسؤولة عن توزيع الأغلفة المالية على الهيئات الرياضية في البلاد.في العادة، تقدم الهيئات الرياضية، التي توفد رياضيين للمشاركة في منافسات دولية بالخارج، وحتى في الداخل، تقاريرها إلى وزارة الشباب والرياضة، تتضمن حصيلة المشاركة وما أنفق من مال، وتدرس الوزارة تلك التقارير، لكن، الواقع يؤكد أنه لم يحدث أن أعلنت الوزارة عن متابعة قضائية ضد أي شخص، حامت من حوله شبهة فساد، مرتبطة بمشاركته في منافسة رياضية، لكن العارفين بخبايا التقارير المرتبطة بحصائل المنافسات، يؤكدون أن المتدخلين في “العملية الرياضية” عموما، يتحاشون فتح جبهات عداء بينهم، لحسابات تتعلق بمواقعهم ومناصبهم. لكن، السؤال المطروح، هل سينجو مؤطرو الأولمبياد الجزائريون، من العقاب هذه المرة؟ هناك إشارة قوية قدمها الوزير الأول، عبد المالك سلال، عندما بعث ببرقية تهنئة لتوفيق مخلوفي، بعد فوزه بميداليتين فضيتين، وساعات قليلة بعد التصريحات النارية التي أطلقها ضد المسؤولين الأولمبيين، والتي برّأ فيها حكومة سلال، بل أنه أشاد بالإمكانيات التي وفرتها، بينما المسؤولون الذين تحدث عنهم خانوا الأمانة وخانوا الحكومة والشعب معا.من البداية كانت هناك توقعات بأن أولمبياد ريو لن يمر بردا وسلاما في علاقته بالمشاركة الجزائرية، ففي أول تصريح للوزير الهادي ولد علي، بمناسبة الأولمبياد، وفي تعليقه المبدئي على نتائج المشاركة الجزائرية، قال إنه “على الأقل لم نرتكب فضائح”، وكان ولد علي يشير إلى ما ارتكبه رياضي مغربي، من فضيحة تحرش بالبرازيل. طبعا كان تصريح الوزير مثار سخرية، من جزائريي مواقع التواصل الاجتماعي، الذين وضعوا الدولة في صورة حكومة ضخت أموالا طائلة، فقط من أجل تفادي فضائح مثيلة! بينما لا يحق للجزائريين المطالبة بمحاسبة المسؤولين عن كارثة ريو، والهوة السحيقة التي ظهرت بين الإمكانيات التي سخرت لحصد ميداليات، وبين الحصيلة الهزيلة التي توجت بها المشاركة الجزائرية.الوزير ولد علي كان يعي ما يقول عندما دعا، إلى دراسة حصيلة المشاركة الجزائرية في البرازيل “في هدوء” لأنه شعر أن مخلوفي أدلى بتصريح “سياسي” خطير، كشف خلاله، مستور الرياضة الجزائرية، وهو أيضا مستور أغلب القطاعات التي التهمت أموالا طائلة ولم تحقق النتائج المرجوة منها، لكن الواضح بالنسبة لعبد المالك سلال أن مخلوفي وضعه في أريحية عندما برّأ حكومته، من جريمة “الخيانة” التي رمى بها المسؤولين الأولمبيين، لكن، هذا لا يعني أن الحكومة غير مسؤولة عن ملاحقة المتسببين في نكسة ريو، والمسيئين لصورة الجزائر في المحافل الدولية الرياضية، التي لا تختلف عن المحافل السياسية في تأثيرها على سمعة البلاد.صورة وإن ضخت الدولة أموالا باهظة لتلميعها، إلا أنها زادت خدشا، بينما لم تنفق الدولة سنتيما واحدا عن أبطال في الخارج، وضعوا اسمها ورايتها على منصة التتويجات، مثلما فعل رياض محرز الموسم الماضي، وينطلي الأمر كذلك على ما تنفقه على ممثلياتها الدبلوماسية التي في كثير من الأحيان، يتوارى تأثيرها بالملفات اللصيقة بسمعة البلاد في الخارج.بقي سؤال يطرح: هل يستطيع أحدهم في الجزائر أن يلملم شجاعته، ويطرح إخفاقات أولمبياد البرازيل في الندوة الدولية لمكافحة الفساد الرياضي المقررة بالجزائر نهاية السنة الجارية، علما أن رئيس الاتحاد الدولي لمكافحة الفساد الرياضي هو الجزائري مراد مازار، المطلع أكثر من غيره على الفساد بالجزائر.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات