شدد الخبير الاقتصادي محمد الشريف بلميهوب على ضرورة اعتماد قوانين وتشريعات واقعية وقابلة للتطبيق ميدانيا، مشيرا الى أن أغلب الشركات العاملة في الجزائر لا تعتمد محاسبة تحليلية، كما أن تضخيم الفواتير أو تحويل الأموال لا يخص الشركات الأجنبية فحسب، فالظاهرة موجودة في التجارة الخارجية ويقوم بها حتى متعاملون جزائريون، داعيا إلى اعتماد مراقبة بعدية موازاة مع تشجيع الاستثمار وتبسيط الإجراءات، وهي عوامل تساعد على إرساء قواعد ثقة من جهة وتدابير ردعية من جانب آخر.
تحضر الحكومة إجراءات ترمي إلى تشديد الرقابة على الشركات الأجنبية وفرض غرامات إضافية في سياق محاربة الغش والتهرب الضريبي، ما رؤيتكم لذلك؟المشكل أعمق وأوسع من ذلك، فالأمر لا يتعلق فحسب بالشركات الأجنبية التي تقوم بتضخيم الفواتير أو تحويلات مالية، فالمتعاملون والمستوردون من الجزائريين يلجأون أيضا إلى التلاعب في الفواتير مع ممونيهم لتحويل أموال وموارد مالية للخارج وكذا العملة الصعبة. وأعتقد بالتالي أنه لا يجب التركيز على فئة من الفئات أو صنف من الأصناف فحسب والقول إن مشكل التحويلات يرتبط بالأجانب، فحينما يكون لدينا اقتصاد مفتوح يتعين إرساء قوانين وتشريعات عالمية وشاملة تنطبق على الجميع. وبالنسبة للأرباح، فإن تحويلها يخص الأجانب فحسب، لأن أرباح الشركات الجزائرية تبقى هنا في الجزائر، ولكن فيما يتعلق بالتحويلات غير المشروعة والفوترة حينما يتعلق الأمر بفروع الشركات، فإنه يتعين أن تكون هنالك تشريعات وقوانين صارمة للجميع، سواء أكان الأمر محليا أو أجنبيا.أين تكمن صعوبة تطبيق مثل هذه التدابير، وما هي البدائل المتاحة؟ المشكل المطروح أن المتعاملين يقدمون فواتير سليمة يصعب على مصالح الجمارك أن تتأكد من عدم مطابقتها للقيمة أو صحة أو خطأ تقديرها، وعليه وجب الوصول إلى بنوك معلومات دولية للسماح بالتأكد من ذلك. وما هو معمول به دوليا هو المراقبة البعدية لا القبلية، بمعنى أنه من الصعب التحري والتحقق من كافة الفواتير لأنه يمكن أن نسقط في التجاوزات بشبهة تضخيم الفواتير وغيرها، فهنالك صعوبة اعتماد آليات وأنظمة إدارية فعالة في هذا المجال. بالمقابل، يمكن القيام بالتحقيق البعدي أي تحديد الأهداف لدى الشركات والتحقق من التعاملات عن طريق فرق متخصصة للتحقق من الحسابات، على أساس مراقبة المؤسسات، وهنا المهمة أسهل من السابق، وبالإمكان العثور على ثغرات ونقائص ويخص الأمر المتعاملين الأجانب والجزائريين على حد سواء دون تفرقة. فالتدابير هذه تبقى ضعيفة التأثير، وكل بلد يجب أن يكون مسلحا بنظام رقابي فعال على هذه المستوى، فالأمر لا يتعلق بسياسة اقتصادية لأن ذلك يخص مراقبة التجارة الخارجية ومراقبة الصرف، وبما أننا اقتصاد عملته غير قابلة للتحويل، فإننا عرضة أكثر من غيرنا لمثل هذه التلاعبات، فهنالك ميل لتحويل الدينار إلى عملة، وهنالك مشكل العملة الوطنية أيضا، وكلما بقينا في نفس النظام كلما بقي الوضع صعبا ومعقدا علينا.وماذا عن فرض المراقبة على أساس المحاسبة التحليلية وتقديم الشركات لحصائل مدققة؟ أما بالنسبة للأرباح وتحويلها، فان الأمر مختلف. وبالنسبة للمحاسبة التحليلية من هي الشركة الجزائرية التي تمتلك نظام محاسبة تحليلية؟ لا يمكن اعتماد نظام لم ننجح في إرسائه، فمن هو هذا المراقب للهيئات والوزارة القادر على تحليل وتقدير السلع والمنتجات المستوردة بدقة من حيث القيمة والتسعيرة والمنشأ. فالأمر سيتعلق بنصوص لا يمكن تطبيقها في وضعنا الراهن، لأن هنالك صعوبة في إيجاد الكفاءات المؤهلة للقيام بذلك، ناهيك عن غياب المحاسبة التحليلية في أغلب المؤسسات الجزائرية، وأحسنها لديها الحسابات التجارية، وبالتالي سنضع أشياء لا يمكن تطبيقها.هنالك من يرى أن الشركات تجني أرباحا طائلة مقابل دفع ضرائب متواضعة والتصريح بجزء مما تجنيه من أرباح، كيف ذلك؟بالنسبة للأرباح يتعين القبول بمبدأ أن كل شركة تأتي وتنشط وتستثمر فإنه من حقها تحقيق الربح وتحويل أرباحها. ولكن حينما نرى شركات ومتعاملين يجنون أرباحا، فإننا ننتقد ذلك وهذا تصرف غريب. صحيح يجب المراقبة ولكن لا يجب أن نركز على الحجم أو القيمة، فهنالك النظام الجبائي والضريبي، فمن ربح يكون ملزما بدفع الرسم على أرباح الشركات والضرائب ومن ثم يمكن العمل على المراقبة وفقا لنظام ضريبي فعال ولكن تحقيق الشركات أرباحا هذا أمر طبيعي، ويمكن حينها أن يتم التفاهم مع الشركات على أساس اتفاقيات لاستثمار جزء من الأرباح محليا وتشجيعها على الاستثمار عبر مناخ ومحيط محفز. والأمر غير قائم للأسف في الجزائر، لأن المؤسسات الأجنبية ترحل من الجزائر لتعقيدات مناخ ومحيط الأعمال، فالجزائر تخسر الكثير. ونرى مثلا أنه في فترة 2015 و2016 أضحت مصر أول المستفيدين من استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة تليها المغرب، ونحن بعيدون كل البعد للأسف عن مسار الاستثمارات، وبالتالي فإن البيروقراطية تنفر الاستثمار، ناهيك عن تعقيدات الإجراءات البيروقراطية، وبدلا من تشجيع المبادرة وتحفيزها نركز على المبالغة في المراقبة وهذا سينفر البعض ولا يمنع التلاعب، فالعملة الصعبة المتداولة في السوق الموازية جزء منها نتيجة التلاعب في الفواتير. والمشكل الحقيقي يكمن في إمكانية التفريق بين المتعاملين الغشاشين والمستثمرين والمتعاملين الحقيقيين، وفرض غرامات وعقوبات بدل القيام بإجراءات معقدة يصعب تحقيقها ميدانيا.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات