مخطئ من يعتبر صرخة مخلوفي وليدة لحظة غضب عن ضياع الذهب.. ومخطئ أكثر من يرى فيها صراع أشخاص وزعامات.. بل على السلطة أن تحسن قراءة هذا الصراخ الصادر من الأعماق عن مستنقع “التعفن” الذي تسبح فيها الرياضة الجزائرية. ولن تكون القراءة صحيحة عن “بركان الغضب” الذي ألقى مخلوفي بحممه في ريو دي جانيرو، ما لم تبادر السلطة في الحين ودون أي تردد أو حسابات بفتح ملف “الفساد”، الذي ينخر جسم الرياضة، والإعلان عن ورشات الإصلاح.فتحت تصريحات توفيق مخلوفي، المتوج الوحيد بفضيتي الألعاب الأولمبية في ريو في 800 متر و1500 متر، من بين وفد رياضي الأكبر من نوعه في تاريخ المشاركات الرياضية الدولية، الباب بمصراعيه على المسكوت عليه، وهو الفساد الذي ينخر الرياضة الجزائرية منذ سنوات، دون أن تتحرك أي جهة رسمية لفتح الملف لرؤية ما فيه وما عليه. لقد ظلت السلطات العمومية ومن ورائها الاتحادات الرياضية، تتعامل مع الأموال المخصصة لتنمية الرياضة وتحضير فرق النخبة على طريقة “رمي التراب تحت السجاد بعد تنظيفه”.. إلى أن كشفت ألعاب ريو أن التراب المرمي تحت السجاد الجميل، نمت فيه مكروبات وطفيليات وفساد لم يعد ينفع معه سوى الإصلاح الشامل.عندما تبحث في الميزانيات المخصصة للفدراليات والاتحاديات والمدفوعة من الخزينة العمومية، تجدها ميزانيات ضخمة تفوق بكثير تلك التي تخصصها العديد من البلدان الإفريقية حتى لا نقول الأوروبية.. لكن كنتيجة، يكفي النظر إلى جدول الميداليات النهائية لأولمبياد 2016 بالبرازيل لمعرفة أين نحن منهم. والأمرّ من ذلك، أنه عندما يشتكي رياضيو النخبة على غرار العربي بورعدة وتوفيق مخلوفي وغيرهما كثير، من أن تلك الأموال تحول وهي في طريقها إليهم، ويضطرون للاعتماد على وسائلهم الخاصة لتحضير مشاركاتهم الدولية، فهذا يعني أن الإخفاق في الجزائر آخر من يتحمل مسؤوليته هو الرياضي، لأنه لم يجد لا “الرعاية” المالية ولا “الرعاية” المعنوية ممن هم على الورق مسؤولون عن الرياضة. وعندما يستثني توفيق مخلوفي، الذي أهدى فوزه إلى الشعب دون المسؤولين عن الرياضة، فتلك رسالة قوية على أن بركان الغضب لم يعد بوسعه احتواء حمم الفساد النارية. ورغم عدم خروج الجزائر من أولمبياد ريو خالية اليدين، بعد فضيتي مخلوفي، غير أن هذا التتويج اليتيم عرى غابة “التعفن” التي ترقد عليه الرياضة الجزائرية في شتى اختصاصاتها وقطاعاتها.. وتؤذن صرخة البطل الأولمبي أن دوام الحال من المحال.. وإلا يعتبر الأمر تواطؤا وتحالفا بين مسؤولي الرياضة والحكومة على استمرار الفساد. الكرة الآن في مرمى السلطة لتسارع قبل فوات الأوان لفتح ورشات الإصلاح، على غرار ما فعلته في العدالة والتربية والاقتصاد، خصوصا وأن ثمار النتائج المحققة تاريخيا للرياضة الجزائرية على مر السنين، بما فيها في البرازيل، إنما تعود بشكل أو بآخر إلى الإصلاح الرياضي الذي قامت به الجزائر في السبعينيات في عهد بومدين والثمانينيات في عهد الشاذلي، حيث سمحت بتعميم ممارسة الرياضة في كل شبر من البلاد. الأمر الذي أعطى إمكانية لاكتشاف المواهب الواعدة التي اعتلت بعدها منصات التتويج الدولي والأولمبي.لقد أصبحت الرياضة أحسن من أسلحة الدمار الشامل في منظومة العلاقات الدولية الحالية، لما لديها من سحر فريد على مستوى التجنيد الشعبي والاعتزاز بالوطنية، ولما تصنعه من تحسين صورة دول لا يقدر على فعلها السياسيون والسفراء مهما رصدت لهم من ميزانيات بالعملة الصعبة.. ولذلك يجب فتح ورشات إصلاح الرياضة وكنس المسؤولين الفاشلين والضالعين في الفساد، لأن الذي جرى في ريو البرازيلية أظهر أن “رياضتنا تغرق... تغرق..” ومريضة بمسؤوليها.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات