+ -

 الجزائر لم تعرف ربيعا عربيا ليس لأن حكامها كانوا حكماء فجنبوها ذلك، ولا لأن شعبها كره من المظاهرات والتوترات والدماء والدموع..لا أبدا.. الجزائر لم تعرف الربيع العربي لأن المدن الجزائرية لا توجد بها ساحات عامة تكون مرتعا للاحتجاجات.. مثلما حدث في شارع بورقيبة في تونس أو حدث في ميدان التحرير في القاهرة.. هكذا قال الأمريكان في تقريرهم عن عدم قابلية الجزائر لأحداث ربيع عربي.ساحة الشهداء أو “ساحة العود” كما كانت تسمى في وقت الاستعمار، تتواجد في قلب العاصمة، ومفتوحة على حي باب الوادي وعلى القصبة العليا. وكانت مؤهلة لأن تكون ساحة للربيع الجزائري، ولكن السلطات الجزائرية سارعت لغلقها بالصفائح الحديدية منذ 5 سنوات حتى لا يعتصم بها المحتجون. وقالت السلطة وقتها إن الساحة أغلقت لأسباب تتعلق بالترميم، رغم أن الساحة خرجت في 2010 من حالة ترميم واسعة أنجزها الراحل إلى التقاعد الحاكم بأمره شريف رحماني، وقيل وقتها: إن عملية ترميم ساحة الشهداء كلفت الكثير وهي أهم عملية ترميم تجرى بالساحة منذ 1930.. ولكن بعد عام فقط أي في 2011 تم غلقها للترميم ثانية.. ولم تتم عملية الترميم إلى اليوم، أي بعد 5 سنوات كاملةǃ فهل تباطؤ أشغال ترميم ساحة الشهداء له علاقة بما قاله الأمريكان من أن الساحات العامة في المدن الجزائرية غير موجودة، لذلك لم تنطلق اعتصامات الربيع العربيǃساحة “الكور” في عنابة أو ساحة الثورة كما يسمونها، تشبه إلى حد بعيد شارع الحبيب بورقيبة في تونس.. هذه الساحة هي الأخرى تحولت إلى شبه حي قصديري، حيث غزتها الأكشاك والمقاهي الفوضوية، وفعلت بها هذه الظاهرة ما فعلته نفس الظاهرة بساحة بور سعيد بالعاصمة، قبل أن يقوم الوالي زوخ بتدمير الأكواخ في هذه الساحة ويترك الحالة وكأنها عبارة عن مكان لإزالة البيوت القصديرية بعد الرَّحلةǃ ولا أتحدث عن حالة ساحة “لابراش” في قسنطينة، أو ساحة قلب مدينة وهران اللتين أصبحتا “تشف” الناظر حتى ولو كان أعمىǃحتى المدن الحديثة التي أنشأتها الجزائر المستقلة على مشارف المدن القديمة لا توجد فيها الساحات العامة.. وما هو موجود قام النافذون بالسطو عليه وتحويله إلى مرافق تجارية لهم ولأبنائهم وعائلاتهمǃنعم، يمكن أن نعتبر منذ الآن وجود الساحات العامة في المدن الجزائرية عملية تهدد الأمن القومي الوطنيǃ هذا هو مفهوم الأمن القومي الجديد الذي أصبحت تمارسه السلطة في الجزائرǃعندما رحّل الشاذلي بن جديد سكان الأحياء القصديرية في العاصمة إلى مواطنهم الأصلية في الثمانينيات، ارتفعت أصوات تتحدث عن الإخلال بالأمن الديمغرافي للعاصمةǃ واليوم تحظر السلطة أي مسيرة في العاصمة لأسباب أمنية بصورة خارج إرادة الشعب ودون إذن البرلمان، ولا يعتبر ذلك معاقبة غير دستورية لبعض سكان البلاد لأسباب سياسية وليست أمنية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات