+ -

كيف تتوقع ميزانية 2017 في ظل انخفاض أسعار البترول ؟ كانت موازنة 2016 مخيبة لآمال الجزائريين ولم تعكس تطلعاتنا نحو تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز النمو، بقدر ما استحضرت نفس العزاء والبؤس للفقراء والطبقة المتوسطة من العمال الكادحين تحت راية التقشف، كما قامت أيضا بتعميق مشكلة العجز وضيقت سبل التمويل، في حين أن أهل الثروة ازدادوا ثراء. الموازنة العادلة تكفينا عن قبضة الأغنياء وقبضة صندوق النقد الدولي التي هي على الأبواب، كما أنها بديل عن موازنة الحرب التي يمكن أن نبتلى بها السنة القادمة. موازنة الحكومة هي ليست كجيوب أطفال العيد الذين يجمعون نقودا ليقوموا بإنفاقها مرة أخرى دون أهداف سامية، بل الهدف منها تحقيق النمو وكبح التضخم، وأيضا تحقيق العدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى  زيادة كفاءة الاعتمادات الموجهة للقطاعات المالية بغض النظر عن حجمها.ما الذي تقصده من “موازنة حرب السنة القادمة”؟ لن أحتاج إلى  جهد كبير لإقناع الجميع بأن ثروة الجزائر تذهب إلى جيوب الفاسدين، حيث أن متوسط الأجور للقطاع العام والخاص في كافة القطاعات يقدر بحوالي 32 ألف دينار، وأن عدد الناشطين اقتصاديا حوالي 12 مليون شخص، ومن ثم بعملية جدا بسيطة، سنجد أن 45 مليار دولار سنويا هي الثروة التي تذهب لهؤلاء الناشطين، وبمعدل 25 بالمائة من الاقتصاد الكلي للجزائر، وأن 75 بالمائة أو قرابة 135 مليار دولار تذهب إلى  من يسمونهم في العرف الاقتصادي بأصحاب رؤوس الأموال. وبالطبع كثير منهم فاسدون وليسوا منتجين، وإلا كيف نفسر ركود 14 قطاعا اقتصاديا.هناك أيضا 6 ملايين شخص يتقاضون أدنى من 32 ألف دينار، وحتى المبلغ الأخير من الأجور لا يكاد يغطي 46.2 بالمائة من معيشة أسرة متوسطة الحجم. حيث لا يعقل في دولة العزة والكرامة، أن يكون نصيب الطبقة الفقيرة العاملة، والتي هي بحدود المليونين، نصيبها من الميزانية العامة ما نسبته 6 بالمائة. على ما يبدو، فإن الطبقتين الفقيرة والمتوسطة ليستا ضحية اللاعدالة الاقتصادية فقط، بل هما مقبلتان على قبضة أكثر شراسة من قبضة أغنياء، وهي قبضة صندوق النقد الدولي أو من أسميهم بـ(الأغنياء الأجانب)، حيث تكافح الحكومة بشدة لمعالجة العجز في ميزانيتها المالية.هل معنى هذا أن قانون المالية 2017 قد تصاحبه استدانة خارجية؟ في ظل الضائقة التي تمر بها البلاد جراء انخفاض أسعار النفط، يطرح سيناريو الاستدانة من صندوق النقد الدولي بشكل قوي، كون توقعات أسعار النفط لا تزال تصب في خانة استمرار تدني الأسعار، بالرغم من صعوبة التنبؤ بأسعار النفط، ونضوب موارد مالية تغطي عجز موازنة السنة القادمة، في ظل فشل الاستدانة الداخلية بحوالي 4 مليار دولار. ولن أحتاج إلى التذكير بأن اللجوء إلى  صندوق النقد الدولي هو مصيدة اقتصادية، تكاليفها مضاعفة ووخيمة، ومن عاشوا تجربة التسعينات هم أحياء يرزقون يستطيعون إخبارنا بسوء تكاليف تلك الاستدانة اجتماعيا واقتصاديا.هذا التشخيص معناه عدم وجود عدالة اجتماعية حسبك.. نعم. لهذا السبب فالموازنة الإصلاحية والاستشرافية للسنة القادمة تبدأ من أول خلل يتمثل في هيكل قانون المالية، الذي كان دائما هو نفقات التسيير وبالضبط كتلة الأجور، التي غالبا ما كانت تشكل 80 بالمائة من نفقات التسيير، وأتوقع أن تصل أجور الموظفين إلى حوالي 40 مليار دولار في 2017، ومن ثم لا نتوقع انخفاضا كبيرا في نفقات التسيير الكلية. وللأمانة الاقتصادية، فإن الدولة هي من تتحمل هذا الخطأ المتمثل في ضخامة بند الأجور، بسبب محاولتها شراء السلم الاجتماعي وزيادة البطالة المقنعة في الدولة المالكة. وفي ظل هذا الوضع، نرى أن على الحكومة مراجعة رواتب وامتيازات الوزراء والنواب. كما تعد نفقات التجهيز ثقبا آخر في الموازنة، كونها لا تساهم في خلق النمو الاقتصادي، من خلال مضاعف الاستثمار، بل هي عبء على الاقتصاد ومزاحمة للاستثمار الخاص، ناهيك عن أنها وجهة للفساد وهدر للمال العام، ونتوقع أن تنخفض إلى 20 مليار دولار كسيناريو وسطي. أما في الجانب المعاكس، مطلوب من لجنة المالية والميزانية أن تتفادى خطأ السنة الماضية، وأن تقدر متوسط سعر النفط بقرابة 40 دولارا للبرميل، كون العودة إلى أقل من 30 دولارا مستبعدا، وعليه ستكون الجباية النفطية في هذه الحالة بحوالي 10 ملايير دولار، في حين أن الجباية العادية هي جوهر الحلول.تحدثت عن قبضة صندوق النقد الدولي وكأن اللجوء إليه أضحى خيارا حتميا للجزائر؟ الجباية العادية هي مخرجنا العاجل لتفادي سيناريو صندوق النقد الدولي، ولإحقاق العدالة بين شرائح المجتمع، وعلى الحكومة أن ترفع من الضرائب على الثروة، كما أن رفع الضرائب على الشركات أصبح أكثر من مطلب ليس لتحقيق العدالة فحسب، بل لأنه أصبح واضحا للاقتصادي الفذ، أن الشركات الجزائرية تحقق هوامش ربح كبيرة بدليل مشاركتها في القرض السندي، بدل الاستثمار في حقلها الذي تختص فيه، ومن ثم تفضيل النمو على الموازنة. كما أن كثيرا من الشركات تكتفي بفوائد الودائع بدلا من الاستثمار الحقيقي. وكحل، نرى أنه من الأجدى رفع الضرائب على الأرباح إلى حدود 26 بالمائة بدل 22 بالمائة، وعلى الشكل التالي: 21 بالمائة للإنتاج، 26 بالمائة للبناء والتشييد، 30 بالمائة لنشاطات أخرى، وهي نسبة هامشية ليست بالكبيرة ولن تؤدي إلى ركود أكبر من الذي تعيشه تلك القطاعات، بل تكون حافزا لزيادة الإنتاج كون الركود مرتبطا بسبب عدم كفاءة التخصيص في جانب الإنفاق وليس الإيراد. وفي ظل هذا السيناريو، أتوقع أن تبلغ الجباية العادية 35 مليار دولار، فضلا عن تحسين التحصيل الضريبي.قانون مالية 2017 سيأتي في ظل جبهة اجتماعية على فوهة برهان، هل تملك الحكومة هامش مناورة؟ مازلت مصرا على أنه لدينا هامش مناورة في موازنة تجنبنا كلتا القبضتين، قبضة الأغنياء وقبضة صندوق النقد الدولي. ويكمن هذا الحل في تحقيق العدالة من خلال سياسة الدعم التصاعدي لصالح 6 ملايين، ما بين الطبقة الفقيرة والطبقة المتوسطة، على أن يتحول هذا الدعم في الأجل الطويل لصالح الطبقة الفقيرة فقط، والتي تتعدى مليوني نسمة. ولن تكلف سياسة الدعم خلال سنة كاملة مبلغ الملياري دولار بضخ دعم نقدي، وهذا لضمان التعليم والرعاية، بالإضافة إلى  أسعار سلع وخدمات تراعي التقشف التي تمر به البلاد، ونتفادى بذلك الدعم السعري الذي يتسرب إلى  الطبقات الأيسر حالا والطبقات الغنية، موفرين بذلك 10 مليارات دولار على الأقل تشمل كلا من الدعم الظاهر والدعم الضمني. وأيضا مع ضرورة مرافقة سياسة الدعم بسياسة تجارية تحد من إغراق السوق الوطنية بالمستوردات، وإلا ذهبت سياسة الدعم هباء منثورا، لأنها ستقضي على آخر منتجاتنا المحلية، وهذا لعدم قدرتها على منافسة السلع الأجنبية نتيجة ارتفاع أسعارها بعد تحريرها. بعد كل هذا، يمكن أن ينخفض عجز الموازنة إلى حدود 5 بالمائة من 20 بالمائة في سنة 2016، وهو عجز مدروس قصير الأمد، لأن هناك إيرادات أخرى تتطلب إعادة النظر في الأجل الطويل، وبالأخص جانب ممتلكات الدولة والضرائب غير المباشرة على السلع الأجنبية المستوردة، التي تستفيد منها الطبقة الغنية، بالإضافة إلى ضرورة التحول نحو نظام الضرائب المتصاعدة التي تحفز الإنتاج.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات