تحوّل المال السياسي، أو ما بات يصطلح عليه “الشكارة”، إلى كابوس حقيقي يطعن في مصداقية العمليات الانتخابية، مثلما تحوّل إلى عامل نفور الناخبين من صناديق الانتخاب. الأخطبوط الذي لف تشريعيات ماي 2012، مرشح بأن يكون “سيد الأصوات” في التشريعيات والمحليات المقبلة، باعتبار أن “أزهى” مرحلة حاضنة لهذا الأخطبوط، هي المرحلة السياسية الراهنة، التي يشبهها البعض بالمرحلة الأخيرة في عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، التي شهدت تغوّل المال السياسي، في آخر انتخابات زكت هذا الرجل. وما زاد من مخاوف تغوّل شبح “الشكارة”، قانون الانتخابات الأخير الذي قيّد ترشح الأحزاب الصغيرة. ما يتيح فرصا لرجال المال لشراء التوقيعات وقوائم التشريعيات.برلمان 2017 مرشح لأن يكون قبة أكثر فسحة لرجال المالالمرحلة السياسية الراهنة تسيل لعاب أصحاب الشكارة دخل المال السياسي بقوة عالم الانتخابات بالجزائر في 2007، ووصل الذروة في تشريعيات ومحليات 2012. واليوم تتهيأ كل الظروف السياسية والقانونية لتجعل منه أحد أهم محددات تركيبة برلمان 2017، استنادا للعديد من المؤشرات التي بدت تطفو على السطح، مع اقتراب موعد الانتخابات المنتظر بعد أقل من سنة.مع أن كل السياسيين في الجزائر مجمعون في الظاهر على أن “المال إذا دخل في السياسة أفسدها”.. إلا أن المال لا يكف عن نخر المنظومة السياسية في البلاد، بحيث أصبحت جل المجالس المنتخبة مصبوغة بشبهة شراء الأصوات أو شراء المقاعد أو حتى شراء قوائم انتخابية يترشح فيها الميسورون من الجزائريين، بعيدا عن احترام أدنى معايير النضال والارتقاء لهذه المناصب، كما تقضيه القوانين والأعراف الديمقراطية. وقد أصبحت الظروف ملائمة جدا، خاصة مع ظهور فئة جديدة من الأثرياء الجدد المستفيدين من الريع والصفقات العمومية، الذين يعد المال بالنسبة إليهم وسيلة لتحقيق طموح سياسي بعيدا عن إكراهات “النضال”.هذا الواقع ليس ترديدا لكلام المعارضة التي قد يقال إن عجزها هو ما يدفعها لمثل هذه الاتهامات، ولكنه صار يوصف بأكثر دقة من أحزاب السلطة نفسها، التي دخل قطباها الأفالان والأرندي في نهاية السنة الماضية، في حرب اتهامات باستعمال المال القذر في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة، عندما فلتت الأغلبية من يد الأرندي وصارت عند الأفالان.. وقد قابلها عمار سعداني كعادته برد عنيف. لكن الأهم من كل هذا السجال، أن استعمال المال في السياسة صار حقيقة مكشوفة للعيان.علاقة الزواج الكاثوليكي بين المال والسياسة في الجزائر، اجتازت عدة محطات انتخابية كانت فيها حاضرة بقوة بشهادة اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات، ووصلت إلى حالة من النضج والتمكين في الانتخابات التشريعية المقبلة، بحيث ستنجب برلمانا خالصا لها وخاضعا تماما لسيطرتها، بتزكية من السلطة هذه المرة، والتي فصلت قانون انتخابات جديد، يخدم، وفق قراءات سياسيين، بالدرجة الأولى أصحاب المال والنفوذ، ويزيل عنهم كل ما يمكن أن يقف في طريق اقتحامهم مبنى زيغود يوسف.هذا القانون العضوي الذي نوقش وصودق عليه في وقت قياسي قبل انتهاء الدورة الربيعية للبرلمان بغرفتيه، أتى بشروط للترشح اعتبرتها الأحزاب الصغيرة أو حديثة النشأة تعجيزية لها. فهو يشترط لمن لم يحصل على نسبة 4 بالمائة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ومعظمهم كذلك، جمع 250 توقيع عن كل مقعد، وفي هذه الحالة سيكون من الصعب جدا ملء قائمة انتخابية، كون ذلك يتطلب جهدا خارقا وقواعد نضالية قوية، وهو ما تفتقده معظم هذه الأحزاب.لذلك، أكثر ما يخشى منه في هذا الإجراء، أن يصبح وسيلة لاحتكار القوائم الانتخابية من أصحاب المال، والتحول من شراء الأصوات إلى شراء التوقيعات، خاصة في الولايات ذات المقاعد الكبيرة التي يعد فيها ملء قائمة ترشح بالنسبة للأحرار أو الأحزاب خارج حزبي السلطة، مهمة شاقة للغاية. فالعاصمة لوحدها، تتطلب جمع حوالي 10 آلاف توقيع، من أجل اعتمادها قانونيا.أما بالنسبة لحزبي السلطة، الأفالان والأرندي، فإن الإشكال يطرح بشكل آخر، كونهما مطمئنان للمشاركة في معظم الولايات والبلديات، ويتعلق الأمر فقط بالتنافس على حصد المراتب الأولى في القوائم. وقد بدأت إرهاصات ذلك تظهر سريعا في الأفالان، من خلال الصراعات القوية على تسيّد الهياكل المحلية تمهيدا لموعد الانتخابات. ولا يتردد خصوم عمار سعداني اليوم، كما كان مناوئو عبد العزيز بلخادم في السابق، في اتهام الأمين العام للحزب بالخضوع لسلطة المال ورجال الأعمال في تحديد مرشحي الحزب العتيد. وهو الانطباع السائد عن الأفالان، الذي صار يتحكم في كتلته البرلمانية رجال أعمال لم يعرف لهم تاريخ نضالي فيه، كما أنه أوصل رجل أعمال إلى منصب نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني، وهو الذي لم يترشح أصلا في قوائمه خلال التشريعيات السابقة.وتتعزز المخاوف أكثر عند استحضار النموذج المصري، الذي شهدت فيه آخر انتخابات في عهد الرئيس حسني مبارك، طغيانا غير مسبوق لظاهرة المال السياسي، بقيادة شقيق الرئيس جمال مبارك ورجل الأعمال القوي وقتها أحمد عز، من أن يتكرر نفس السيناريو في الجزائر. واللافت أن المثال المصري صار يستحضر كثيرا على ألسن السياسيين في المعارضة الجزائرية، سواء من حيث الصعود الصاروخي لفئة من رجال الأعمال المستفيدين من الريع واقتحامهم المعترك السياسي، أو بالنظر إلى الحالة الصحية التي ميزت الرئيسين مبارك وبوتفليقة في نهاية عهدتيهما، أو حتى موقع ابن الرئيس مبارك وشقيق الرئيس بوتفليقة داخل منظومة الحكم.قالوا عن المال السياسي مدير ديوان الرئاسة أمين عام الأرندي أحمد أويحيى:“الشكارة كانت فعلا مهيمنة على انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة”. رئيس حركة “حمس” عبد الرزاق مقري: “الدولة دولة مافيا عرّتها انتخابات مجلس الأمة الأخيرة، من خلال استعمال الأموال القذرة. أين العدالة؟ فالتحقيق مع أصحاب المال الوسخ ليس صعبا”. أمين عام “النهضة” محمد ذويبي:“الإدارة قد شوهت العملية الانتخابية من خلال تحالفها مع المال السياسي القذر. الشيء الذي دفع المواطن إلى مزيد من العزوف عن التغيير عبر الصندوق. وتوظيف السلطة لأجهزة الدولة ومؤسساتها بديلا عن الشعب في رسم خارطة سياسية للبلاد عن طريق استعمال التزوير هو خطر بعينه يهدد استقرار البلاد”. حزب العمال:“الانحراف الجديد يؤكد مرة أخرى الضرورة الملحة لتزويد البلاد بتمثيلية وطنية حقيقية، تتخلص من المال الوسخ ومن قطاع الأعمال، من خلال تنظيم انتخابات ديمقراطية حقا”. الأفافاس: “المال القذر قائم بقوة في الانتخابات. وهذا المال يستعمل كثيرا في الحياة السياسية الوطنية، وذلك يشكل خطرا ثقيلا على بناء دولة القانون وتكريس الديمقراطية وضمان السيادة الوطنية”. رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية موسى تواتي: “الانتخابات تزوّر دائما من خلال ما يظهر من مقدمات تثبت ذلك، أبرزها استعمال المال الوسخ بشكل غير مسبوق في الحملة الانتخابية، وإظهار صور مفبركة لمشاركة وهمية”. رئيس جبهة المستقبل عبد العزيز بلعيد:“بعض الأحزاب السياسية التي تستعمل المال الوسخ لشراء أصوات المواطنين، لا يقضي عليه إلا توجه الشباب بكثافة نحو مكاتب الاقتراع لاختيار المترشحين الأجدر بتمثيلهم، والقادرين على تلبية انشغالات المواطنين”. رئيس حزب “الفجر الجديد” الطاهر بن بعيبش: “قانون الانتخابات يكرس الوضع لأصحاب المال الوسخ”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات