+ -

بات واضحا أن معركة سرت الليبية حسمت بدرجة كبيرة، بالنظر إلى التقارير التي تلقتها الدوائر الغربية الاستخباراتية من انسحاب قيادات وعناصر من تنظيم “الدولة الإسلامية” الى خارج المدينة، التي تم الاستيلاء عليها السنة الماضية، إلا أن دخول قوات “البنيان المرصوص” إلى مختلف ربوع منطقة المدينة الساحلية الليبية، لا يعني بالتأكيد نهاية  تنظيم “داعش”، بقدر ما سيطرح مشكلا جديدا يتمثل في تشتّت عناصر التنظيم في مناطق متعددة، بما في ذلك في دول الجوار وحتى أوروبا، وهو عامل أضحى مؤرقا للبلدان الغربية بدرجة كبيرة. تتقاطع ثلاثة أخبار للتأكيد على فرضية انتقال عدة عناصر من ليبيا الى مناطق عديدة في المنطقة، أولها الاستنفار الكبير لقوات الأمن والمصالح الاستعلامية الإيطالية، بعد تقارير سلمت لها من قبل الحكومة الليبية، بخصوص تسلل عناصر من تنظيم “داعش” إلى مدينة ميلانو، ثم أعقبتها معلومات عن إلقاء القبض مجددا من قبل قوات الأمن المغربية على خلية لتنظيم “داعش” في المغرب، فإعلان الأمن التونسي اعتقال خمسة إرهابيين، ومعهم مهربين على الحدود الجنوبية للبلاد. وتبيّن أن العناصر الخمسة الموقوفين ينتمون إلى “داعش”، وقد فروا من ليبيا بعد اشتداد القصف على التنظيم الإرهابي هناك. ويتضح أن تضييق الخناق على أكبر معاقل التنظيم في ليبيا، بداية بسرت، ولكن أيضا بنغازي ودرنة، موازاة مع الضغط الكبير الذي يتعرض له تنظيم داعش في سوريا والعراق، يساهم في تنامي مخاوف الدول الغربية من فرار المقاتلين إلى جوار ليبيا، حيث تزايدت أعداد التقارير التي تفيد بتسلل عناصر من التنظيم الى بلدان الجوار، مما يدفع المصالح الاستخباراتية لمعظم الدول القيام بعمليات تدقيق وتحر، وتستنفر قواتها العسكرية أيضا تحسبا لأي طارئ، خاصة وأن العدد الفعلي لعناصر تنظيم داعش في ليبيا غير محدد وغير معروف، إلى جانب أن الطرق والمسالك متوفرة لتسلل أعداد منهم.وبقدر ما ساهم الدعم الغربي لحكومة فايز السراج من حسم معركة سرت بدرجة كبيرة، من الناحية العملياتية والتكتيكية، بانسحاب ودحر عناصر تنظيم “داعش” في المواجهات المباشرة، بقدر ما برزت مخاوف من تحول الصراع من تصادم مباشر الى حرب لامتوازية وغير كلاسيكية بعدها في ليبيا وامتدادات ذلك على دول الجوار.وبدأت عملية “البنيان المرصوص” التي أطلقتها حكومة الوفاق الليبية منذ قرابة أربعة  أشهر، لتحرير مدينة سرت من قبضة تنظيم “داعش” تعطي بعضا من النتائج الميدانية، بعد أن نجحت في زحزحة مواقع التنظيم بمساندة أمريكية، حيث دخلت قوات الجو الأمريكية على خط النار بقصف مواقع التنظيم، يضاف إليها السند اللوجستيكي وتجهيز القوات الليبية بأجهزة رؤية ليلية.وسيطرت القوات الحكومية في سرت، على عدد من مواقع التنظيم، بجانب  السيطرة على مبنى الإذاعة الذي كان يستخدمه التنظيم، وباتت قوات “البنيان المرصوص”  تسيطر على معظم المدينة، ولم يبق لتنظيم الدولة الآن سوى مواقع قليلة، إلا أن ذلك لا يعني نهاية الحرب مع انقضاء معركة سرت بالضرورة، وهو عامل تراعيه البلدان الغربية التي تتخوف من تبعات ما بعد معركة سرت.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات