+ -

 تثير خرجات نائب وزير الدفاع رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد ڤايد صالح، تساؤلات حول درجة الخطر الإرهابي الذي يتهدد البلاد، وهو خطر خارجي أكثر منه داخليا، بالنظر إلى التطورات المتسارعة التي يشهدها الملف الأمني الليبي وعلاقته المباشرة مع الجزائر، في ظل ما يتواتر من حديث عن فرار عناصر من تنظيم داعش إلى النيجر والجزائر، بعد الضربات الموجعة التي تلقاها التنظيم بمدينة سرت الليبية. وستجد الجزائر، بناء على ذلك، مخاطر واقعية وعلى الأرض، سبق لقيادة الجيش بمجلته الشهرية كما الخبراء الأمنيون أن حذروا منها، بينما تشير معطيات أن الخطر الحقيقي صار أقرب إلى الحدود الجزائرية مقارنة مع فترة سابقة.وشكل خطاب الفريق ڤايد صالح، أول أمس، ما يشبه صفارة إنذار، رافقت دعوته وحدات الجيش إلى الحفاظ على الجاهزية التامة لمواجهة الطوارئ المتصلة بالإرهاب، “للحفاظ على السيادة الوطنية”. ومصطلح السيادة إذا ارتبط بالإرهاب يعني أن هناك تهديدا خارجيا حقيقيا، يتطلب يقظة دائمة، لا تختلف عن تلك التي كانت الأجهزة الأمنية تدعو إليها المواطنين في مواجهة الإرهاب الداخلي زمن الأزمة الدموية. لكن الفريق ڤايد صالح، وحسب الخبراء، قرن هذه المخاطر برسائل وجهها للداخل كما الخارج، تفيد بأن الجيش الجزائري بإمكانه إحباط المخططات الإرهابية مهما ثقل خطرها، بينما العبرة كانت قد أخذت خلال الاعتداء الذي طال حقل الغاز بتيڤنتورين، في جانفي 2013، وشكل الرد على اعتداءات محتملة لإرهاب “متعدد الجنسيات” دافعا لخروج الفريق ڤايد صالح من مكتبه وملازمته الوحدات العسكرية بمختلف النواحي العسكرية لشهور كاملة.وفرضت التطورات الأمنية ذات البعد الخارجي، علاقة بالجزائر، على الجيش التقدم بسرعتين، واحدة داخلية وأخرى خارجية، وشهدت الأشهر الأولى من العام الجاري عمليات أمنية لافتة، تم خلالها القضاء على 99 إرهابيا من جملة 145 تم تحييدهم والقبض على العشرات من الإرهابيين بمختلف ولايات الوطن، ليبقى الخطر الخارجي الذي يشكله تنظيم داعش، أولوية في رسم ردود الفعل الحربية، حيث يشدد الجيش خناقه على الحدود الشرقية والجنوبية.الجيش بسرعتين واحدة داخلية وأخرى خارجية في مواجهة الإرهابالجزائر تحت سقف الحرب تبنى الجيش مفهوما أكثر بعدا في مكافحة الإرهاب، من خلال إفراد “الإرهاب الخارجي” باهتمام كبير منذ تنامت المخاطر الإرهابية، الناجمة عن دخول تنظيم “داعش” مدينة درنة الليبية، التي أعدم فيها 18 مصريا، العام الماضي، ولم يكن توجه الجيش نحو الحدود الشرقية ورفع تعداده، في إطار محاربة الإرهاب الخارجي، عاملا مؤثرا بالسلب حيال تعقب الإرهابيين في الداخل، وتبين ذلك حصيلة الجيش للسداسي الأول من السنة الجارية 2016.رغم أن الجيش الجزائري أرسل إشارات قوية لتنظيم داعش بالقضاء على أغلب عناصره في العمليات التي شنتها وحداته، شهر ماي من العام الماضي، بمنطقة بوكرام في البويرة، والقضاء على الأمير بشير خرزة، الذي استخلف عبد المالك ڤوري، على رأس تنظيم “جند الخلافة”، الموالي لتنظيم داعش، إلا أن حالة الاستنفار على الحدود مع ليبيا صارت مؤشرا هاما على الخطر الذي مازال التنظيم يشكله على الجزائر. وإذا كانت الأجهزة الأمنية، وعلى رأسها الجيش، تمكنت من تحييد جند الخلافة من المشهد الأمني بصفة جلية في الداخل، إلا أن طبيعة تعامل وحدات الجيش مع التنظيم “الأم” داعش باعتباره تنظيما “خارجيا” أكثر خطورة من فرعه بالجزائر، دفع إلى رفع درجة التأهب الأمني إلى مصاف يقترب من “حالة حرب”. وزكت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، في تقريرها لأول أمس، موقف الجيش الجزائري بتشديد الخناق على الحدود الليبية، عندما حذرت من خطر عناصر تنظيم داعش الذين فروا من مدينة سرت الليبية، واتجهوا نحو الجزائر والنيجر، إثر الضربات التي تلقوها هناك.خطر الإرهاب الخارجيوالملاحظ أن ما تواتر في تقارير أمنية دولية من أن التنظيم الإرهابي تبنى إستراتيجية نقل المعارك إلى داخل البلدان المعنية، بإعادة أعداد محددة من عناصره إلى بلدانهم الأصلية، لا ينطبق بشكل كلي على الجزائر، باعتبار أن العناصر الجزائرية النشطة بالتنظيم بسوريا والعراق هم الفئة الأقل مقارنة مع التونسيين والمغربيين (تقارير تحدثت عن وجود 120 جزائري)، وإن وجد التنظيم في الضربات التي تلقاها بسرت الليبية، في الأيام الماضية، فرصة لتنفيذ استراتيجيته، فيما يتعلق بعودة أعداد من عناصره إلى بلدانهم، لكن هذا العامل لم يكن متغيرا أساسيا بالنسبة لقوات الجيش المرابطة على الحدود، باعتبار أن أكبر خطر على الحدود يكمن في الإرهاب “متعدد الجنسيات” الذي ترقى اعتداءاته إلى مصاف “انتهاك السيادة”، مثلما وقع بتيڤنتورين، في جانفي 2013، ومعلوم أن الحكومة الجزائرية اتخذت تدابير على الأرض، منذ فترة، تتعلق بتطوير منظومة المراقبة الأمنية بمحيط حقول النفط والمواقع الإستراتيجية بالصحراء وعلى الحدود.لكن، وقياسا بتحذيرات الأمريكيين الموقعة بصحيفة “وول ستريت جورنال”، حول الخيارين القسريين لعناصر داعش في اتخاذ ملاذ نحو الجزائر والنيجر، يطرح تساؤل بشأن أي وجهة تفضلها العقيدة الإرهابية بين البلدين، إذا علم أنه غالبا ما كانت نشاطات الإرهابيين بالنيجر أو مالي أو التشاد، تقتصر على اقتناص فرص “نادرة” لاختطاف الأجانب للحصول على فدية، بينما غالبا ما كانت صحراء النيجر حاضنة لمعاقل “استرجاع” وراحة ومنطلقات تخطيط لتنفيذ عمليات فوق تراب البلدان المجاورة، وهو ما حصل، أيضا، بخصوص اعتداء تيڤنتورين الذي راح ضحيته 37 أجنبيا، وأيضا الهجوم على فندق راديسون بباماكو، في نوفمبر 2015، والذي خلف 22 قتيلا، وبالتالي فإن الخطر بات يتهدد، من جديد، الجزائر، بخصوص مخططات إجرامية يحضرها الإرهابيون، في الجزائر، من أجل تبرير فرارهم من ليبيا، على الأرض، من جهة، والانتقام من الضربات التي تلقوها هناك، من جهة أخرى.رسالة الرواكش وإفشال التجنيدومعلوم أن أبرز عملية وقعتها وحدات الجيش الشعبي الوطني كانت بولاية المدية، حيث تم القضاء على 15 إرهابيا بمنطقة الرواكش، شهر جوان الماضي، وهي العملية التي استرجع فيها كميات كبيرة من الأسلحة، وهي ثاني عملية بارزة بعد عملية البويرة، العام الماضي، والتي قضي فيها على 24 إرهابيا، بينما تمكنت قوات الجيش من تحييد 149 إرهابيا، من بينهم 99 إرهابيا تم القضاء عليهم، من خلال حصيلة لوزارة الدفاع الوطني تخص السداسي الأول من السنة الجارية 2016، كما تم توقيف 55 إرهابيا، وتحجيم دور جماعات الدعم والإسناد، ولم يتضح عدد الإرهابيين الذين مازالوا ينشطون، بينما الخطاب العسكري وأيضا السياسي يتحدث عن “بقايا”. واللافت أن الحديث عن “تجنيد” شباب للالتحاق بالجماعات الإرهابية تراجع بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة، إلا ما تعلق بمحاولات لتجنيد شباب للالتحاق بتنظيم داعش بسوريا والعراق، حيث أظهرت التوقيفات الأخيرة وعمليات القضاء على الإرهابيين، خاصة بمنطقة جيجل، التي طالت هؤلاء الذين التحقوا بالجبال مطلع التسعينات، أي خلال السنوات الأولى للأزمة الأمنية، ومن هؤلاء الإرهابيون الذين أوقفوا ومعهم عائلاتهم وأطفالهم، وعائلات أخرى، هربت من جحيم الجبال وسلمت نفسها، على غرار إقدام عائلتين لإرهابيين اثنين على تسليم نفسيهما لقوات الجيش الجزائري بمنطقة بوحلوان بجبال جيجل، خفية عنهم، في الفاتح من جويلية المنصرم، واستقبلت فرقة من الجيش أفراد العائلتين المتكونتين من امرأتين وتسعة أطفال.وتبين هذه الظاهرة أن الجبال لم تعرف التحاق عناصر جدد، بالشكل الذي كان عليه الوضع في السابق، أو أن القيادات الإرهابية استنزفت مخزونها البشري، من خلال تكليف حديثي العهد بالإرهاب بالقيام بعمليات إرهابية، ومنها العمليات الانتحارية التي شهدتها بعض المناطق من الوطن، في السنوات الأخيرة.وفي مقابل تراجع الإرهاب بشكل جلي بالجزائر، فقد أخذ له أبعادا أخرى أكثر خطورة في أوروبا، ترجم في دعوة الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، نظيره الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، إلى تعاون أعمق في مكافحة الإرهاب، رغم أن شكل الإرهاب يختلف بين ذلك المنتهج في الجزائر، وذلك الإرهاب الذي يرعب أوروبا، ويكمن الفرق بين “الإرهابيين” في الإستراتيجية، حيث يعتمد تنظيم داعش على “الذئاب المتفردة” في تنفيذ الهجمات الإرهابية، مثلما حدث في فرنسا على غرار مقتل راهب “أفينيو”، وقبلها اعتداء “نيس”، وقبلهما مجزرة الباتاكلان التي أودت بحياة أكثر من 120 قتيلا.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات