+ -

رغم النداءات والدعوات السياسية إلى سحب القانونين الأساسيين لضباط الاحتياط والمستخدمين العسكريين، اللذين يفرضان على الضباط المتقاعدين “واجب الاحتراس والتحفظ”، إلا أن القانونين بعد الجدل الكبير الذي صاحبهما سياسيا، بدأ سريان مفعولهما بدءا من أول أمس، إثر صدورهما في الجريدة الرسمية. ومثلما تزامن فرض واجب التحفظ مع تصريحات الجنرال حسين بن حديد، التي كانت سببا في دخوله السجن، فإن صدورهما جاء أيضا متزامنا مع تصريحاته الصحفية لثلاث جرائد عقب خروجه من السجن. فهل هي الصدفة أم عمل مبرمج؟ يفرض القانون رقم 16-05 المتضمن القانون الأساسي لضباط الاحتياط، الذي يعدل ويتمم الأمر رقم 76-112 المؤرخ في 9 ديسمبر 1976 والمتضمن القانون الأساسي لضباط الاحتياط، في المادة 15 مكرر، بأنه “يمارس العسكري العامل المقبول للتوقف نهائيا عن الخدمة في صفوف الجيش والمحال على الاحتياط، بكل حرية الحقوق والحريات التي تكفلها له قوانين الجمهورية، إلا أنه يبقى ملزما بواجب الاحتراس والتحفظ”.وتتابع المادة المعدلة: “وفي هذه الوضعية فإن أي إخلال بهذا الواجب من شأنه المساس بشرف واحترام مؤسسات الدولة، يشكل إهانة وقذفا ويمكن أن يكون بمبادرة من السلطات العمومية، محلا لما يأتي: سحب وسام الشرف، رفع شكوى لدى الجهات القضائية المختصة، طبقا للأحكام القانونية السارية المفعول”.وشددت المادة التي تليها 15 مكرر 1 في تغليظ العقوبة: “يتعرض العسكري العامل المقبول للتوقف نهائيا عن الخدمة في صفوف الجيش والمحال على الاحتياط، الذي يخل بشكل خطير بواجب الاحتراس والتحفظ إلى التنزيل من الرتبة”.نفس الاتجاه جاءت به التعديلات على القانون رقم 16-06 المتضمن القانون الأساسي العام للمستخدمين العسكريين، لكن مع بعض الإضافات. فقد نصت المادة 24 منه بأنه “يتعين على العسكري الالتزام بواجب التحفظ في كل مكان وفي كل الظروف. وعليه أن يمتنع عن كل عمل أو تصرف من شأنه أن يمس بشرف أو كرامة صفته أو يخل بسلطة المؤسسة العسكرية وسمتعها المميزة”. هذا في الحالة التي يكون فيها العسكري في الخدمة.أما العسكري الذي توقف عن الخدمة، فأضافت بشأنه نفس المادة: “وبعد التوقف النهائي للعسكري عن الخدمة، يظل ملزما بواجب الاحتراس والتحفظ، وأي إخلال بهذا الواجب الذي من شأنه المساس بشرف واحترام مؤسسات الدولة، يمكن أن يكون محل: سحب وسام الشرف، رفع شكوى بمبادرة من السلطات العمومية لدى الجهات القضائية المختصة، طبقا للأحكام القانونية سارية المفعول”.ووجه الاختلاف هنا بين القانونين، أن رفع الشكوى في القانون الأساسي لضباط الاحتياط لا تتم بمبادرة من السلطات العمومية، على عكس ما جاء في القانون الأساسي العام للمستخدمين العسكريين، الذي يربط رفع الشكوى ضد المخلين بواجب التحفظ بمبادرة من السلطات العمومية، وهي الممثلة هنا في وزارة الدفاع الوطني.وجرى التصويت على نصي المشروعين المتضمنين القانونين الأساسيين لضباط الاحتياط والمستخدمين العسكريين، بتاريخ 27 جوان 2016، في المجلس الشعبي الوطني. وقبل التصويت صاحب القانونين جدل واسع كبير داخل وخارج قبة المجلس، فقد دفع بالكتلة البرلمانية لحزب العمال إلى إحالة تعديلين حول مشروعي القانوني آنذاك، يتعلقان بحصر الأفعال المتعلقة بواجب التحفظ والاحتراس في مجال إفشاء أسرار المؤسسات العسكرية والمساس بوحدة الجيش، لكن تم رفضهما بحكم أن التعديلين “يمسان بجوهر وهدف مشروعي القانونين”.ومن صور الاحتجاج على القانونين، ما أظهره ثلاثة محامين وهم خالد بورايو وبشير مشري ومصطفى بوشاشي، الذين عقدوا ندوة صحفية مطلع شهر جويلية الماضي، وأعلنوا أن “سياق تعديل قانوني ضباط الاحتياط والمستخدمين العسكريين مربوط بقضية حبس الجنرال المتقاعد حسين بن حديد المتهم بـمحاولة إحباط معنويات أفراد الجيش، باعتبار أن مشروع القانونين الغرض منهما تحذير الضباط المتقاعدين بأنهم إذا تحدثوا من الآن فصاعدا، فسيلقون مصير بن حديد”.وزادت حدة الجدل والتنديد بالقانونين إلى اعتبار محامين وحقوقيين بأن “القانون الذي يمنع ضباط متقاعدين من التعبير عن آرائهم، شيء غير دستوري لأن الحق في التعبير جائز دون المساس بالحياة الخاصة للناس ومضمون للجزائريين، بحكم أن الجهة التي تمنع عن المواطنين التمتع بحقوقهم الأساسية هو القضاء”.وعلى مستوى الأحزاب، فقد احتج عبد الله جاب الله، رئيس جبهة العدالة والتنمية، على القانونين وقدر في حوار سابق مع “الخبر” بأنه “عدوان بيّن على أبرز حق ومساس بالكرامة الإنسانية، وأيضا صورة من صور الظلم التي ينبغي أن لا تكون”، ودعا إلى “رفع القانون في أقرب وقت، عن طريق إسقاطه بقانون آخر أو تعديله مرة أخرى”.أما رئيس حزب طلائع الحريات، علي بن فليس، فأعرب عن موقفه في بيان، أوضح فيه بأن “منع الضباط المتقاعدين من الكلام يساوي بالنسبة للمعنيين حرمانهم المؤبد من حقوقهم المدنية والسياسية”، فيما قالت الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، في ندوة صحفية سالفة، إن “حرمان الضباط المتقاعدين من حقهم في الكلام هو مصادرة لحق من حقوقهم الأساسية”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات