بطولة "الاغتراف" تكلف الخزينة ألف مليار كل موسم

38serv

+ -

تنتظر الجماهير الجزائرية بشغف كبير انطلاق الموسم الكروي الجديد المقرر يوم التاسع عشر من شهر أوت الحالي، من خلال بطولة الرابطة المحترفة الأولى، وعيون مناصري جميع النوادي تنتظر، على ضوء ما يتم ترويجه إعلاميا من طرف مسؤوليها، أن يكون موسم الإنجازات والتتويجات. حتى وإن كانت الجماهير تدرك أن “تضخيم” النوادي خلال مرحلة التحويلات الصيفية وما يرافقها من تربصات ومباريات تحضيرية للموسم الكروي، هو صنيع الإعلام الرياضي بـ«التواطؤ” مع مسؤولي النوادي ذاتها واللاعبين، إلا أن المناصرين يرفضون تقبل الحقيقة، في كل مرة، وينتظرون الموعد الرسمي لانطلاق البطولة حتى يكتشفوا في النهاية بأنهم أمام “سيناريو مكرر” من بطولات سابقة، تسطو فيها الفضائح واللعب الهزيل على الفرجة الحقيقية والتنافس النزيه.وما يرافق بطولة الاحتراف التي اصطلح منذ انطلاقها قبل ست سنوات على أنها بطولة “انحراف” بامتياز، حرص المسؤولون، سواء على مستوى الرابطة أو الاتحادية، على عدم تقديم استراتيجية واضحة ومدروسة ومشروع رياضي حقيقي يخلص اللعبة الأكثر جماهيرية من الهوان الذي تعيشه، كون واقع التسيير على مستوى الهيئتين الكرويتين يقتصر على تبادل للأدوار وعلى “اجترار” نفس العبارات لذر الرماد في العيون، دون الخوض في عمق جرح وآلام ومرض الكرة الجزائرية التي أضحى، من منطق قرباج وروراوة، تواجدها “شكليا” فقط، للقول إن الجزائر تملك بطولة محترفة لكرة القدم.مشاكل المواسم الماضية تصنع الحدثواللافت للانتباه أن المواسم الكروية تمر على الجماهير وتتشابه، إلى درجة أن الحديث عن الواقع الحقيقي لكرة القدم والنوادي تم تغييبه في ظل الفضائح التي تهز في كل مرة البطولة وتسيئ لسمعة الجزائر دوليا، فقد سبقت “قضايا الموسم” موعد انطلاق البطولة، حين تم التطرق، من جديد، إلى البرمجة ومشكل الملاعب ومكان الاستقبال لعدد من النوادي، على غرار نادي مولودية الجزائر.وصنع قرار “الفاف” الجديد المتخذ في المكتب الفدرالي بشأن الإعارات مادة دسمة للإعلام الرياضي الذي غذاه مسؤولو النوادي المحترفة، وغرق الجميع، النوادي والاتحادية والإعلام، في فنجان، بسبب قضية لم تكن لتعكر صفو انطلاق الموسم لو تم اتخاذ قرار مماثل وفق القانون، مثلما هو حاصل اليوم مع النوادي الممنوعة من الانتداب ولم تودع بعد ملفات لاعبيها على مستوى الرابطة رغم انتهاء الآجال المحددة لذلك قانونا.وسيجد رئيس الرابطة مواضيع أخرى عند انطلاق الموسم وبعده لـ«تضليل” الرأي العام الرياضي، حين يتحدث عن المنشطات والرشوة التي تنخر جسد الكرة الجزائرية والاتهامات الموجهة للحكام والمشككة في نزاهة البعض منهم، والعنف الذي يضرب في كل مرة جاءت نتائج الفرق مخيبة، وهي مشاكل مطروحة للنقاش دون إيجاد حل ردعي لها، ما يفتح المجال للهروب من الغوص في المشاكل الحقيقية التي تجعل بطولة الاحتراف في الجزائر نموذجا سلبيا بكل المقاييس، تسوق أسوأ صورة عن الجزائر لكل العالم.ملايير تصرف على بطولة عقيمةوبالاستناد إلى لغة الأرقام، فإن التدقيق فيها يصيب أي متتبع بصدمة كبيرة، كون إفلاس الكرة والنوادي الجزائرية يكلف الخزينة العمومية ألف مليار تقريبا كل موسم في زمن التقشف، وما يرافق هذه الخسارة من “لواحق” هو صداع للمواطنين وخطورة على حياتهم وتخريب للممتلكات، وعروض كروية هزيلة، تجعل التساؤل عن القيمة المضافة لهذه البطولة، اقتصاديا ورياضيا، أمرا مشروعا.ويفرض التساؤل نفسه، كون معدل الرواتب الشهرية لاثني وثلاثين فريقا محترفا من الرابطتين الأولى والثانية، يتمثل في 50 مليون سنتيم شهريا للاعب الواحد، وهو معدل مفترض مبني على ما يتداوله الإعلام خلال مرحلة الانتقالات وما تؤكده قرارات لجنة فض النزاعات في قضية ديون النوادي تجاه اللاعبين.وبعملية حسابية بسيطة، فإن مجموع 25 لاعبا (الموسم الماضي) لـ 32 فريقا، إضافة إلى مدرب رئيسي وآخر مساعد لكل فريق، براتب شهري يقدر بـ 50 مليون سنتيم، يجعل الكتلة الأجرية الشهرية لكل النوادي تبلغ ما يقارب الـ 50 مليار كل شهر، أي نحو 600 مليار سنتيم في السنة، تضاف إل ذلك مصاريف أخرى ضرورية في الموسم تتعلق بالتربصات داخل وخارج الوطن والتنقلات خلال الموسم الكروي لإجراء المباريات، وما يتبعه من مبيت وأكل وشرب في الفنادق، فضلا عن العتاد الرياضي لكل فريق، وعلاوات الفوز بالمباريات وتسديد مستحقات الإسعاف، ما يرفع القيمة المالية إلى نحو 800 مليار سنتيم في السنة الواحدة على بطولة عقيمة. ولا يمكن إغفال أيضا، في تكلفة بطولة الاحتراف في الجزائر، مستحقات الحكام، كون طاقم تحكيمي يكلف نحو 10 ملايين سنتيم في المباراة، وبوجود 480 مباراة رسمية في بطولتي الرابطتين الأولى والثانية، فإن الحكام يكلفون نحو خمسة ملايير سنتيم، بغض النظر عن مصاريف التربصات والدورات التي تجرى لهم، ودون احتساب أيضا كل ما تكلفه مباريات كأس الجزائر بكل أدوارها، ما يجعل “الفاتورة” تقارب الألف مليار سنتيم في الموسم الكروي الواحد، دون أن يضمن ذلك منح أي فريق لاعبا واحدا للمنتخب، أو تكوينا صحيحا، ودون أن يعود ذلك بالفائدة على الاقتصاد الوطني، كون أغلب النوادي “تستنزف” من العملة الصعبة لتدعيم اقتصاد البلدان الأخرى، من خلال إقامة التربصات بالخارج، وترفض (النوادي أيضا) التصريح باللاعبين على مستوى صندوق الضمان الاجتماعي، على الرغم من الرواتب الشهرية الخيالية التي يتقاضاها اللاعبون في بطولة تعيسة.الرابطة تحصد 10 ملايير والنتائج صفرولم تعد كرة القدم مصدر “ثروة” اللاعبين والمدربين ومسؤولي النوادي فحسب، فالرابطة أيضا تستثمر في بطولة “الاغتراف” وتحصد كل موسم 10 ملايير سنتيم على الأقل، تعود لحقوق الانخراط المقدرة بـ 350 مليون سنتيم لكل فريق من الرابطة الأولى و240 مليون سنتيم لكل فريق من الرابطة الثانية، دون احتساب الغرامات المالية المفروضة على النوادي من طرف لجنة الانضباط.ورغم العائدات المالية الكبيرة، إلا أن الرابطة لم ترق بتسييرها إلى مصاف الكبار، فلا هي قضت على مشاكل البرمجة وتحديد مواعيد المباريات، ولا هي قدمت للجماهير رزنامة مضبوطة، ولا نجحت أصلا في تقديم استراتيجية حقيقية للارتقاء بمستوى البطولة إلى العالمية. واقتصر تواجد هيئة الرئيس محفوظ قرباج على معالجة نفس الأسباب التي تؤدي إلى نفس النتائج، في غياب الحلول الحقيقية لاقتلاع مشكل الكرة في الجزائر من الجذور.ويؤكد عجز وإفلاس الرابطة المستمد أصلا من عجز وإفلاس الاتحادية، غياب الفكر والطرح والنموذج الحقيقي لاحتراف الكرة في الجزائر، وغياب الأطر أيضا التي يمكن لها أن تضع اليد على الجرح، كون الاتحادية، بدورها، “أغفلت” دور ومكانة اللجنة التقنية الوطنية، التي نصبها روراوة في فيفري الماضي، والمقررة في قانون الرياضات المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 3 ديسمبر 2014، وهو القانون 14/330 الذي يتطرق في المادة 33 منه إلى ضرورة اجتماع اللجنة مرتين في السنة على الأقل، وهي جهاز استشاري مكلف، حسب المادة 30 من القانون، “بإبداء كل الاقتراحات والتوصيات والآراء التي يمكن أن تساهم في تحديد الأهداف والطرق وكذا الأعمال المرتبطة بتنظيم الاختصاص أو الاختصاصات الرياضية داخل الاتحادية وتنشيطها وترقيتها”، وتمنحها المادة 32 التي تتحدث عن أعضائها، الحق في الاستعانة “بكل شخص مؤهل يمكنه أن يساعدها في أشغالها”، ما يعني أن هذه اللجنة، التي لم تجتمع أصلا وفق القانون ولم يقدم رئيسها (المدير الفني الوطني) ولا رئيس الاتحادية على عقدها في دورة استثنائية، لا وجود لها أصلا في مخطط الاتحادية، كون تفعيلها والاستعانة بالدكاترة من طراز سعدان وتيكانوين وبسكري ويعيش وشارف وحميسي ولعروم وغيرهم، سيحرج حتما المدير الفني ورئيس “الفاف” قياسا بارتقاء النقاش إلى أعلى مستوى بشأن واقع الكرة الجزائرية وطرق المعالجة، وسيجرد محمد روراوة رئيس الاتحادية من “استراتيجية أحادية القرار”.كل هذه المعطيات تؤكد أن العجز والإفلاس يدفع بالاتحادية والرابطة إلى الإبقاء على بطولة شكلية من 16 فريقا لا أكثر، حتى تبقى بعيدة عن المقاييس العالمية لكبريات البطولات التي تلعب بـ 20 فريقا في إنجلترا وإسبانيا وغيرهما، وبـ 18 فريقا بألمانيا، وهو ما يضمن، حسب المفهوم الجزائري، اقتصاد الجهد لبرمجة جولات أخرى إضافية، حتى وإن كان ذلك هو “سرقة” حق اللاعب في مواكبة حجم التدريبات والمباريات الحاصل في المستوى العالي الحقيقي.  

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات