الزميل سعد بوعقبة، أشكرك على سماحتك وسعة صدرك لأنك سمحت لي بأن استعمل الفضاء المخصص لك شخصيا لأكتب فيه بعض الأفكار، أعتقد أنها مفيدة. وأتمنى أن يسع صدرك هذه المرة رسالة من نوع خاص ليس من تحت الماء كما يغني الراحل عبد الحليم حافظ، بل من فوق الماء ومباشرة، وأوجهها لرئيس الحكومة الجزائرية عبد المالك سلال أو للأخ سلال كما كان يقال سابقا في جبهة التحرير الوطني.وقررت توجيه هذه الرسالة لأن الوضع خطير ويجب التحذير قبل الغرق الجماعي المحتمل.كما تعلم زميلي الفاضل أنني أشتغل في الاقتصاد منذ سنوات وأجد صعوبة كبيرة جدا للحصول على استجوابات تلفزيونية للحديث أمام الكاميرا من المتخصصين أو من الوزراء الأوروبيين وعددهم 28 وزيرا للاقتصاد، إلى جانب وجود عدد لا بأس به من المسؤولين في المفوضية الأوروبية متخصصين في الاقتصاد، والسبب بسيط جدا، ليس تكبرا منهم أو رفضا للظهور أمام الكاميرات، بل الأمر يتعلق بأهمية وتأثير التصريحات الاقتصادية والمالية منها عالميا إذا لم يحسن التصريح بها، ولها انعكاسات سريعة جدا على أسواق المال والبورصات الأوروبية والعالمية، ويتميز النشاط الاقتصادي بسرية لا مثيل لها، وأنت ترى وتلاحظ كجميع الزملاء المهتمين بالأمر أنه ليلة انعقاد المؤتمر الصحفي لرئيس البنك المركزي الأوروبي، ماريو دراغي، مرة كل أربعة أسابيع، كيف تكون البورصات الأوروبية والعالمية في حالة ترقب وأداؤها سيئ، وقد يتغير في لحظة سلبا أو إيجابا، والرجل مازال لم ينه مؤتمره الصحفي، لأنه أعلن عن قرار حول سعر الفائدة المرجعي مثلا، كما أن كل الاجتماعات التي تلت الأزمة المالية منذ 2009 لوزراء مالية منطقة اليورو كانت تنتهي على الساعة الثانية صباحا ليتم الإعلان عن القرارات المتخذة، ثم ينتظرون رد فعل أول بورصة وهي بورصة طوكيو التي بدأ نشاطها الساعة الثانية صباحا.ورسالتي إلى رئيس الوزراء أو الوزير الأول حسب التسمية الرسمية، أن يمنع المسؤولون من الإدلاء بتصريحات تتعلق بالوضع الاقتصادي للجزائر أو حتى لغير الجزائر لخطورتها وتأثيراتها المباشرة، وقد تعطل وتضعف الموقف الجزائري في أي مفاوضات قادمة مع المؤسسات المالية العالمية وعلى رأسها الأفامي، لأن التصريحات غير المحسوبة في الاقتصاد على غير السياسة هي بليغة الضرر. والكلام يخص التصريحات المفرطة في التفاؤل كما صرح بذلك الوزير بوشوارب قائلا بأن الجزائر لا تتضرر حتى ولو وصل سعر النفط إلى 10 دولارات للبرميل، والجميع يعرف أن 10 دولارات تعني آليا توقف إنتاج البترول والغاز، لأن تكاليف إنتاجه أغلى بكثير من 10 دولارات، وعليك أن تتصور السخرية التي تقابل بها مثل هذه التصريحات عالميا أو حتى تلك التي صرح بها سلال نفسه بأن سعر النفط قد يرتفع سنة 2018، ويدرك جميع المطلعين على السوق بأن التنبؤ بهكذا أمر مستحيل لأن السوق البترولية نفسها عرفت تغييرات جذرية وحولت كل مجموعة الأوبك من عامل مؤثر في السوق إلى عامل غير مؤثر بالدرجة التي كانت عليها المنظمة سابقا، وقسط الأوبك من الإنتاج العالمي للبترول يساوي حاليا 36 في المائة فقط، كما أن المنافسة بين الدول الأعضاء خانقة ليحافظ كل بلد على زبائنه وأسواقه. والتصريحات الرسمية المفرطة في التشاؤم تحدث الكثير من الأضرار، كما صرح بها وزير الداخلية ثم تراجع عنها لاحقا، ولكن نسي أو تناسى بأن أثر تصريحه الأول سيبقى إلى الأبد، والتراجع هو من أفدح الأخطاء، لأنه يؤكد تخبطا في المواقف وارتباكا حكوميا وانعدام الجدية. وفي الشأن الاقتصادي، هذه الأمور لا ترحم.زميلي الفاضل، لقد أصبحت أحسد زملائي العاملين في التغطيات السياسية، وتذكرت فترة سابقة حيث كنت أحتار أي تصريح أستعمل في تقريري لكثرة التصريحات التي أنجزها وبدون مشقة من الوزراء السياسيين، وقد يحررون لك فلسطين وينددون بإسرائيل ثم ينصرفون، ولكن كلامهم يبقى مجرد تصريحات يمكن التراجع عنها في أي وقت، بعكس التصريحات الاقتصادية فهي تقع كالفأس على الرأس إذا حصل الخطأ، فالنتائج وخيمة وخسائرها لا مثيل لها.أتمنى أن تصل الرسالة وأن تنتهي الثرثرة وتصوب الأمور، لأن الجد أصبح قضية حياة أو موت لأمة بأكملها. من بروكسل: لخضر فراطأنت تتحدث عن وزراء في كامل قواهم العقلية وعن اقتصاد سليم في الدول الأوروبية، وهذا لا ينطبق على حكومات كسيحة في الجزائر وعن اقتصاد “مُيَرْكَل” وعن شعب مسغب ! البلد الذي فيه سعر علف البهائم يساوي سعر الخبز، وفيه الماء سعره أغلى من سعر البنزين، لا يمكن أن تتحدث فيه عن البورصة وعن التصريحات التي تمس بها.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات