38serv

+ -

دخلت الطبقة السياسية أجواء التحضير للانتخابات التشريعية المقررة العام الداخل. انتخابات لا تشبه في ظروف إجرائها تشريعيات 2012، ولا الاستحقاقات التي سبقتها، بسبب التطورات المتسارعة التي شهدتها البلاد منذ 2013 على الصعيد الأمني، ثم الاقتصادي. لكن ليست هناك مؤشرات على أنها ستولد خارطة سياسية جديدة، على وتر تحكم كل من الأفالان وبعده الأرندي في زمام البرلمان.صاحب الأغلبية البرلمانية حزب جبهة التحرير الوطني، أطلق منذ فترة صفارة السباق على صعيد التحضير الداخلي، ما أكده عضو المكتب السياسي أحمد بومهدي خلال الجامعة الصيفية المنتظمة بولاية الشلف لفائدة أشبال الحزب. يأتي ذلك تزامنا مع بداية تململ جديد حرّكه الطامحون للوصول إلى قلعة زيعود يوسف بالعاصمة، من الأفالانيين عبر الولايات. مجددين تلك الصورة النمطية الثابتة على استقالات تارة وترحال سياسي تارة أخرى، بالنسبة لهؤلاء الذين يشتمون رائحة الإقصاء من قوائم الترشيحات مبكرا. ورغم أن حزب التجمع الوطني الديمقراطي، وصيف الأفالان في التشريعيات الماضية، حليف “على الورق”، للحزب العتيد، ويشكل معه عكازة السلطة، إلا أنه يبقى المستفيد الأول من الراحلين الموسميين عن الأفالان، وهو ما يحدث هذه الأيام بولاية الجلفة، وبولايات أخرى. بينما ستكون تشريعيات 2017، بمثابة اختبار حقيقي بالنسبة لتطبيق أو التخلي عن الدستور في الشق المتعلق بمنع التجوال السياسي، الذي اشتكت منه أحزاب عدة، وحتى حزب جبهة التحرير الوطني، الذي يغضب لما يرحل عنه مناضلون ساخطون من الإقصاء من القوائم التشريعية قبل موعد الاستحقاق، لكنه لا يجد مشكلة في ضم الراحلين عن أحزابهم عندما تطأ أقدامهم قبة البرلمان.اختبار التشريعيات سيطال أيضا أحزاب التيار الإسلامي، فيما يتعلق بقدرة “تكتل الجزائر الخضراء” على الصمود أمام أطرافه أنفسهم، بعد تجربة تحالف عمرت خمس سنوات، هي الأولى في الجزائر. باعتبار أن التيار الإسلامي لم يلتئم يوما في جبهة واحدة، وكان الفضل في التئامه، هذه المرة، للسلطة التي اتهمت بتزوير تشريعيات 10 ماي. لكن استمرار التكتل الذي ولد واستمر طيلة هذه الفترة، وقارع الحكومة في عديد القوانين، أهمها قانون المالية 2016، بات غير مضمون، قياسا بتصريح رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري في حوار لـ«الخبر”، الأيام الماضية، أن هناك اتجاها غالبا داخل مجلس شورى الحركة بعدم تجديد تجربة التكتل الأخضر الذي حاز على 48 مقعدا.ويشعر الحمسيون أنه رغم ما يوصف بالتجربة المثالية للتكتل داخل أسوار البرلمان، منذ 2012، إلا أن مجرد انضمامهم له، وفر لهم نتائج عكسية على صعيد نتائج تشريعيات ذاك العام.. إذ يعتقد هؤلاء أنه كان بإمكانهم حصد عدد أكبر من المقاعد لو ترشحت حمس دون التكتل. وبالتالي، فالفصيل الإسلامي المعني متخوف من أن يكرر التجربة التي أشرف عليها “الغاضب على التحالف الرئاسي آنذاك أبوجرة سلطاني”، فلا ينال أكثر مما ناله في انتخابات 10 ماي.والواضح أن أحزاب التيار الإسلامي كانت السباقة لإعلان مشاركتها في الانتخابات. فقد أعلن أمين عام حركة الإصلاح الوطني، أمس، مشاركة تشكيلته في التشريعيات، بعد إعلان حركة البناء الموقف ذاته. وقبلهما قدم عبد الرزاق مقري إشارات بمشاركة حمس في الاستحقاق المرتقب. وينم الإعلان المبكر لهذه الأحزاب عن المشاركة، عن رغبة من الإسلاميين في التجند من أجل حصد أكبر عدد ممكن من المقاعد، وتجاوز نكسات سابقة تواتر عنها ضعف في التأثير في القرارات، وهشاشة في ردود الفعل سواء في القرارات الصادرة عن الحكومة أو مشاريع قوانين داخل البرلمان. رغم الضجة الإعلامية والسياسية التي شارك فيها الإسلاميون في ملفات عدة بقلعة زيغود يوسف، خاصة ما تعلق بقانون المالية التقشفي للعام الجاري، لكن دون جدوى على مستوى القرار الرسمي.ومهما يكن، فإن التشريعيات المقبلة ستكون مختلفة عن سابقتها، بالخصوص على مستوى توليفة القيادات الحزبية للتشكيلات المعتادة على تقاسم مقاعد الهيئة التشريعية، فماعدا أحمد أويحيى الذي أشرف على انتخابات حزبه في 2012، ويستعد حاليا على الإشراف على تشريعيات 2017، فجل الرؤساء والأمناء العامون للأحزاب التي نظمت انتخابات تشكيلاتها، ذاك العام، رحلت عن القيادة وحل محلها قيادات جديدة. ففي خلال الفترة ما بين الاستحقاقين، رحل عن القيادة أبوجرة سلطاني، وحل محله عبد الرزاق مقري، مثلما رحل عبد العزيز بلخادم في الحزب العتيد وحل محله لاحقا عمار سعداني، مثلما رحل حملاوي عكوشي عن قيادة الإصلاح وعوّض لاحقا بفيلالي غويني، كما ترك علي العسكري منصبه لأحمد بطاطاش، ثم محمد نبو، ليأتي بعدهما عبد المالك بوشافة. وشهدت الفترة رحيل الزعيم الروحي للقوى الاشتراكية، الداحسين، صاحب القرار التاريخي، القاضي بالمشاركة في تشريعيات ماي 2012. وبحركة النهضة حدث نفس الشيء، حيث ترك فاتح ربيعي منصبه لمحمد دويبي على رأس الحركة، التي لم تعلن بعد موقفها من تشريعيات 2017.وبالنسبة للتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي قاطع تشريعيات ماي 2012، فإن زعيمه الروحي سعيد سعدي، الذي أشرف على جل الانتخابات التي شارك فيها الأرسيدي، سيكون لأول مرة خارج الزعامة، ليتولى خلفه محسن بلعباس تحديد مصير التشكيلة بالانتخابات المقبلة. بينما على مستوى الحكومة، فكل المؤشرات تؤول إلى أن حكومة عبد المالك سلال ستنظم الاستحقاق المقبل، وإن حدث اختلاف بين حكومته الحالية وحكومته التي نظمت انتخابات 2012، فإنه يتعلق باسم وزير الداخلية، حيث أشرف وزير الداخلية سابقا دحو ولد قابلية على الاستحقاق الفارط، بينما سينظم الوزير الحالي نور الدين بدوي الاستحقاق المقبل، إن لم يلجأ الرئيس بوتفليقة إلى تعديل حكومي قبل التشريعيات.أمنيا، ستنظم تشريعيات العام المقبل، لأول مرة، منذ “تشريعيات التعددية 1997”، دون الفريق محمد مدين (الجنرال توفيق)، مسؤول دائرة الاستعلام والأمن سابقا. الرجل الذي شكل هدفا مركزا لحرب قادها الأمين العام الحالي للأفالان، عمار سعداني، واتهمه بالوقوف وراء مآسي الأحزاب السياسية، فقد أحيل على التقاعد شهر سبتمبر 2015. فهل التغييرات الأمنية التي أجريت على جهاز المخابرات من طرف الرئيس بوتفليقة ستؤثر في المشهد الانتخابي المقبل، في إطار “الدولة المدنية” التي عرّب مفهومها عمار سعداني.. وهل سيكون لسياسة الكوطة مكان في التشريعيات؟

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات