38serv

+ -

تهاطلت، في الفترة الأخيرة، تقارير الخارجية الأمريكية التي تتفاوت في حدة انتقادها للوضع في الجزائر على كل المستويات، السياسية والأمنية والحقوقية والاقتصادية. وإن كان ما تأتي به هذه التقارير ليس جديدا على الجزائريين الذين يعرفون واقعهم أكثر من غيرهم، إلا أن ضررها، قياسا إلى مصدرها، يعد بليغا على صورة البلاد في الخارج. لا تترك الخارجية الأمريكية شاردة ولا واردة عن الجزائر إلا وترصدها بإضفاء بصمتها “الانتقادية” وتقدمها في تقاريرها الدورية، غير مبالية تماما بردود الفعل الغاضبة التي قد تثيرها. وعلى الرغم من محاولة السلطات الجزائرية، في كل مرة، التقليل من أهمية ما تنتجه آلة التقارير الأمريكية التي لا تتوقف عن الهدير، إلا أنها في واقع الحال تحسب ألف حساب لما يكتب عنها، خاصة إذا كان المؤلف هو القوة الدبلوماسية الأولى في العالم. فهذه التقارير تعد كتابا مفتوحا عن الجزائر تقدمه الإدارة الأمريكية للعالم بالمجان، وعليها تبنى معظم التقارير الدولية ذات المصداقية.الاتجار بالبشر والإرهابوعكس ما تجتهد السلطات الجزائرية في تسويقه عن نفسها في العالم، شكل تقرير “الاتجار بالبشر” إحدى أكبر الضربات الأمريكية بفعل الواقع الأسود الذي رسمه عنها. فقد كان يكفي أن توضع الجزائر ضمن القائمة السوداء مع دول مثل كوريا الشمالية وموريتانيا وغينيا الاستوائية، فيما يخص شبكات الدعارة، وتجارة الأعضاء البشرية، وزواج المتعة، واستعباد الأفراد نتيجة لفقرهم واستغلالهم في شبكات تسول وسرقة وتهريب والتشغيل القسري للأطفال، حتى يستشيط مسؤولوها غضبا من هذا التصنيف الذي اعتبروه جائرا.لكن الخارجية الأمريكية، في تقريرها الصادر في بداية شهر جويلية، بررت هذا التصنيف بكون أن مهربين يستغلون اللاجئين في ورشات الميكانيك والبناء، وغسيل السيارات، كما ركزت على وضع هؤلاء اللاجئين في منطقة تمنراست، حيث يقول التقرير إن اللاجئين يتعرضون لسوء معاملة وانتهاك لحقوقهم، منها استغلال الأطفال جنسيا، وأن بعض الخادمات اللاتي يشتغلن في بيوت الجزائريين من العرب والتوارڤ يتعرضن لسوء معاملة، مثل حجز جوازات السفر وعدم تلقي أجورهن.وفي تقرير آخر لا يقل أهمية عن الإرهاب في العالم، صدر في 3 جوان الماضي، تخوفت الخارجية الأمريكية من احتمال توريط عائدات النشاط غير الرسمي للأسواق في تمويل الإرهاب، في ظل عجز الحكومة عن القضاء على هذه السوق. لكن تجربة الجزائر، رغم معضلة تمويل الإرهاب، كانت محل إشادة من التقرير ذاته خاصة في مجال مكافحة “التطرف العنيف”، حيث تعد الجنسية الجزائرية من بين الأقل حضورا ضمن مقاتلي تنظيم داعش.حقوق الإنسان والحريات الدينيةغير أن الوضع الأمني المتماسك انعكس بشكل سلبي في تقرير وضع حقوق الإنسان، الصادر في 24 جوان الماضي، على وضع الحريات في الجزائر. ورصد التقرير، الذي حمل انتقادات شديدة اللهجة، كل القيود المفروضة على الجزائريين، على غرار منع التظاهر السلمي بالقوة وتعريض القادة العسكريين الذين عارضوا إعادة انتخاب الرئيس بوتفليقة للمتابعات، عرقلة منظمات حقوق الإنسان للحصول على الاعتماد وفق قانون الجمعيات الجديد، وقمع منظمات الدفاع عن البطالين وفرض قيود صارمة على حرية التعبير، والامتناع عن التحقيق في الآلاف من الاختفاءات القسرية. وفي ما يتعلق بظاهرة الفساد، أبرز التقرير أن الحكومة الجزائرية “لم تتخذ الإجراءات اللازمة للتحقيق ومتابعة أو إنزال العقاب في حق مسؤوليها السامين في حالة خرقهم للقانون”، مستشهدا بفضيحتي خليفة والطريق السيار.وجاء تقرير الحريات الدينية، الصادر قبل 3 أيام، لينتقد بدوره واقع أتباع الديانات الأخرى من غير الإسلام وأتباع المذاهب الأخرى من غير المالكية، كما تطرق أيضا لما اعتبره تنامي ظاهرة معاداة السامية في المجتمع الجزائري، بناء على مراقبة دقيقة لنشاط الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي.ورصد التقرير حالات إدانة لصحفيين ونشطاء بتهم إهانة الإسلام أو رموزه. ونقل عن مسؤولين عن الكنائس المسيحية في الجزائر، وجود ملاحقات ضد المتحولين إلى المسيحية، ومنعهم من النشاط والتنقل بحرية في الجزائر، وصعوبة تكييف الجمعيات الدينية مع قانون الجمعيات لسنة 2012، ومنع استيراد الكتب الدينية المسيحية. وتناول التقرير أيضا مخاوف السلطات الجزائرية من وجود نشاط تبشير بالمذهب الشيعي في الجزائر.الاستثمار والملكية الفكريةوفي الشق الاقتصادي، انتقدت الخارجية الأمريكية، في تقريرها حول مناخ الاستثمار في العالم لسنة 2016، الصادر في 5 جويلية الماضي، الجوانب المتعلقة بالنظام المالي الذي يحكم البلد، واستشهدت على ذلك ببورصة الجزائر التي وصفتها بالأقل حجما في كامل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.وذكر تقرير الخارجية الأمريكية أن بورصة الجزائر تعد الأقل حجما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث لا تضم سوى 4 مؤسسات مدرجة فقط برأسمال يصل إلى 136 مليون دولار، وهو ما يمثل 0.1 بالمائة فقط من الناتج المحلي الخام. وانتقد التقرير قطاع البنوك في الجزائر، حيث وصف أداءها بالضعيف على الرغم من صحتها المالية، حيث أن خدماتها لا تزال متوائمة مع الاقتصاد الموجه، ولم تتطبع بعد مع الخدمات البنكية الحديثة.وعلى نفس القالب، نسج تقرير الملكية الفكرية، الصادر عن كتابة الدولة للتجارة في أمريكا، في 27 أفريل 2016، حيث وضع الجزائر في القائمة السوداء للدول التي لا تتعامل بمبادئ الشفافية الضرورية في مجال تنظيم التجارة الخارجية. وصنفت الجزائر من بين الدول التي لا تحارب التقليد والقرصنة في المجال الإلكتروني، شأنها شأن روسيا والصين، ما يهدد مصالح الشركات الأمريكية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات