بيان الدرك الوطني حول تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية بطريقة تنذر بعدم التحكم فيها، هذا البيان حمل لهجة جديدة من قيادة الدرك الوطني لم نألفها وتثير بالفعل عدة تساؤلات: لماذا تقول قيادة الدرك الوطني إن عدد الاحتجاجات الاجتماعية قد انخفض عما كان عليه مقارنة بنفس الفترة الزمنية من العام الماضي.. وفي نفس الوقت تنبه إلى خطورة هذه الاحتجاجات على الأمن العام واستقرار البلد؟ هل الأمر يتعلق بتطور نوعي للاحتجاجات من حيث العدد والأماكن والموضوعات المحتج عليها، أم يتعلق بمدنية ووجاهة هذه الاحتجاجات؟ فضلا على شرعيتها كوسيلة من وسائل النضال الوطني للشعب ضد الفساد وسوء التسيير، وضد الانسداد الوطني في قنوات التظلم الوطني مثل: البرلمان والحكومة والنقابات والأحزاب؟ ما فهم من بيان الدرك هذا هو هذه القراءة الصحيحة لقضية الاحتجاجات الاجتماعية لأول مرة، وكأن هذا الجهاز (الدرك) قد فهم أخيرا بأنه لا يمكن أن تتحول عملية حماية المواطنين وممتلكاتهم التي هي واجب هذا الجهاز إلى حماية الفساد وسوء التسيير والرداءة في تسيير الشأن العام؟ ومعالجة مسألة الاحتجاجات على مصنع الإسمنت في باتنة مثال حي.. وبمعنى آخر: كأن الدرك فهم أخيرا أن مواجهة الاحتجاجات الاجتماعية يجب أن تكون بحل المشاكل التي هي أصل هذه الاحتجاجات، وليس استعمال القوة العمومية لقمع مطالب اجتماعية هي بالأساس من المطالب المحببة لحماية الشأن العام من سوء التسيير والفساد والرداءة. أي أن الاحتجاجات المؤسسة قانونا هي إضافة من الشعب في الرقابة الناجعة على الأداء الإداري لأجهزة الدولة في الرقابة وتحسين التسيير. ولذلك ينبغي أن يستمع إلى هذه الاحتجاجات ولا ينبغي قمعها بالقوة العمومية لفائدة حماية الفساد والتقصير.فعلا.. هذه الاحتجاجات تعاظمت عندما تعطل أداء البرلمان، بسبب الرداءة والانتهازية، عن أداء مهامه الرقابية في تسيير الشأن العام، وتعطل أيضا عندما أصبحت الحكومة هزيلة على مستوى تسيير الشأن العام، وعندما انتهى دور الأحزاب الحاكمة والنقابات الموالية للحكم في لعب دور رجال المطافئ للحرائق الاجتماعية.. عندما حدث هذا، لجأت السلطة إلى إطفاء هذه الحرائق بخراطيم الغاز المسيل للدموع والهراوات عوض خراطيم الماء والخطب السياسية كما كان سائدا من قبل. بيان الدرك الجديد قد يدل على أن المؤسسة الأمنية والعسكرية تريد توجيه إنذار إلى السلطة المدنية، بأن سوء التسيير للشأن العام أصبح غير ممكن حمايته بالقوة العمومية، وأن الدور الدستوري للمؤسسات الأمنية والعسكرية لا يجعلها أداة في يد المدنيين الفسَدة والرديئين.قد يكون هذا الفهم الجديد الذي جاء به جهاز الدرك الوطني هو بداية الإعلان عن تحول لافت لأجهزة الحكم كحارس قمعي للمفسدين في السلطة باسم الأمن العام والحفاظ عليه.. ولعل الأمر له علاقة بالصراعات الجارية بين المدني والعسكري في سرايا الحكم. ومع ذلك فالأمر يعد بداية وتحولا مهما لا بد من مباركته[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات