"200 ألف لاجئ فلسطيني مفقود جراء حرب سوريا"

38serv

+ -

صلاح صلاح، المناضل اليساري ورئيس لجنة اللاجئين في المجلس الوطني الفلسطيني، من قيادات الصف الأول الفلسطينية القلائل الذين لا يزالون يؤمنون بفلسطين التاريخيةمن البحر إلى البحر، رافضين لكل تسوية مهما كان نوعها على حساب حق عودة اللاجئين. يقدم في هذا الحوار مع “الخبر” حقائق مفزعة عن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في العالم،ويتهم سلطة محمود عباس أبو مازن صراحة بالتخاذل والتواطؤ مع العدو الإسرائيلي لتصفية ملف اللاجئين.هل يمكن أن تعطينا نظرة عامة عن وضع اللاجئين الفلسطينيين بمناطق الحروب في العالم؟  اللاجئون الفلسطينيون موزعون على عدة أماكن في الدخل والخارج؛ قسم كبير منهم موجود في غزة والضفة الغربية، وقسم آخر في دول عربية محيطة مثل الأردن وسوريا ولبنان، يخضعون لوصاية وكالة غوث اللاجئين التي تعتبر قضية اللاجئين سياسية، وتختلف عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين التي لها طابع إنساني. حاليا للأسف، جزء من السياسة المتبعة تستهدف تصفية قضية اللاجئين بتحويل القضية من سياسية تخضع لوكالة الغوث، إلى إنسانية تخضع للمفوضية العامة. هذا جزء من مخطط يجري تنفيذه من خلال عدة مشاريع. المشروع الفرنسي الأخير مثلا، أحد بنوده هو حل مشكلة اللاجئين من خلال التوطين، وليس حق العودة بموجب قرار الأمم المتحدة. أيضا المشروع المصري السعودي يتحدث عن استعداد السعودية لتعديل المبادرة العربية؛ بحيث موضوع اللاجئين يصبح خارج البحث. من هنا، أصبحنا نرى أن موضوع اللاجئين صار مطروحا بإلحاح في هذه الفترة، ولكن في إطار تصفيته وليس حله.وضع اللاجئين في البلدان التي تعيش صراعات سيئ للغاية.. 500 ألف لاجئ كانوا يعيشون في سوريا، نسبة كبيرة منهم (حوالي 150 ألف إلى 200 ألف) غادروا إلى أماكن هجرة بالعالم، وقسم منهم فقد بالبحر ولا يعرف مصيرهم، وقسم آخر هاجر باتجاه لبنان ويقيم بمخيمات اللاجئين في لبنان، وهذا يشكل عبئا إضافيا على هذا البلد.. هناك قسم قليل أيضا هاجر باتجاه الأردن، وقسم آخر تنقل في سوريا من مكان خطر إلى مكان أقل خطورة.يجري حاليا استغلال الحروب لدفع أكبر عدد ممكن للهجرة، وهذا يخدم مسألة التوطين، كما حصل بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان الذي تلته “الحرب على المخيمات” وكانت سببا في أن حوالي 150 ألف هاجروا من لبنان إلى أوروبا، وفتحت أبواب الدول الأوروبية على مصراعيها لهم، كما لو أن هذه الدول كانت متفقة، فقد شهدنا في ذلك الوقت استقبال الفلسطينيين بنسب متفاوتة في ألمانيا والدنمرك والسويد، وحتى بريطانيا التي كانت ترفض إعطاء مجرد تأشيرة مرور للاجئ الفلسطيني، فتحت أبوابها أيضا.. هذا يؤكد أن هناك مخططا يجري العمل على تنفيذه منذ سنوات، يستهدف حل مشكل اللاجئين من خلال حرمانهم من حق العودة وتوطينهم في أي بلد يستقبلهم.. هذه المحاولات السابقة لم تنجح؛ لأن الفلسطينيين قاوموها بشدة، لكنها تتجدد كل مدة ومدة بطرح مشاريع جديدة تتضمن حلا عاما للقضية، وبشكل خاص اللاجئين..ما هي خطورة ذلك على هذا الملف الحساس؟  خطورة الموضوع أنه في السابق كانت مقاومة هذه المشاريع تتم بتوافق بين كل الفصائل والقيادات الفلسطينية، الآن طرف من القيادات الفلسطينية الذي هو السلطة الفلسطينية تتعاطى إيجابا مع الحلول المطروحة؛ بمعنى قبول فكرة التوطين وحرمانهم من حق العودة. هذا عامل جديد دخل على الخط، لا أقول إنه يساعد على تنفيذ مشاريع التوطين فحسب؛ ولكنه لا شك يضعف حجم المقاومة الفلسطينية ككل. هناك نقطة أساسية واضحة للمتتبعين، أن الحروب تستهدف الجميع والصراعات الداخلية لا تستثني أحدا، لكن في الدول العربية كما في أوروبا، يتم التعامل مع أي لاجئ بطريقة تختلف عن معاملة الفلسطيني الذي يتم التعامل معه بحذر وحساسية شديدتين دائما، وهو عرضة للتشديد والمضايقة والتعقيدات التي قد يكون أحد أهدافها، وضع الفلسطيني بحالة استعداد للقبول بتصفية القضية الفلسطينية، ومنها مشكلة اللاجئين بأي ثمن.مشكلة التوطين قديمة جدا؛ هناك فلسطينيون وطّنوا فعلا في دول أخرى.. إلى أي مدى ساهم ذلك في إفقاد اللاجئ علاقته بوطنه واستقلال بلده؟ حل مشكلة اللاجئين بتوطينهم وتجنيسهم وتعويضهم، بدأت منذ أوائل الخمسينات بعد النكبة مباشرة، وكانت تطرح بأسماء مشهورة على صعيد السياسة الدولية، مثل جونسون مبعوث الإدارة الأمريكية، ثم جونسون الرئيس الأمريكي، ثم مشروع طرح باسم هامر شولد الأمين العام للأمم المتحدة (القرار 194 لضمان عودة اللاجئين هو تبني مشروع توطين)، ثم مشروع “كلاب”. عدد هائل من المشاريع إذا كانت تطرح لحل التوطين، وكانت هذه المشاريع تريد استغلال الظروف الصعبة لما بعد النكبة وجو الإحباط والهزيمة بسبب وضع المخيمات اللاإنساني.. اعتقدوا أن هذا الوضع الصعب المأساوي يمكن أن يساعدهم على تنفيذ هذه المشاريع، وبالتالي تصفية القضية.الفلسطينيون هم من قاوموا هذه المشاريع بشكل مبكر، رغم أنها رصدت لها إمكانات هائلة وكانت أداة تنفيذها جاهزة، إذ أن بعض الدول العربية وافقت عليها. لكن رغم حالة اليأس والإحباط والظرف الصعب، تصدى الفلسطينيون لها وأفشلوها. هذه مرحلة من تاريخ شعبنا الفلسطيني ونضاله، يجري إغفالها حاليا للأسف، إذ يجري تصوير تاريخ المقاومة الفلسطينية ابتداء من انطلاق الثورة الفلسطينية في الستينات، وهذا ليس صحيحا.صحيح أن لدينا اليوم مئات الآلاف من الفلسطينيين بالمهاجر. لكن عندما نراقب تحرك هذه الموجات الفلسطينية المهاجرة، نجد أنها لا تزال مرتبطة بقوة بالوطن، فهناك في أوروبا مثلا 4 مؤسسات تنظم مؤتمرات دولية سنوية يحضرها الآلاف من فلسطينيي الخارج، تؤكد على حق العودة، رغم تمتع هؤلاء الفلسطينيين بجنسيات البلدان التي هاجروا إليها. الآن يجري الإعداد لمؤتمر المنتدى الاجتماعي العالمي، حيث شكّل مجموعة في كندا وأمريكا لجنة فلسطين الفاعلة بهذا المؤتمر العالمي. هناك حملة المقاطعة التي صارت عالمية والمشاركة بها واسعة، خاصة من المفكرين والمثقفين وأساتذة الجامعات من أبناء فلسطينيي المهاجر. هذا دليل على أنهم لم ينسوا القضية ويستفيدون من وجودهم بالخرج لتحريض الرأي العام الدولي على سياسات إسرائيل، وتبيان حقيقة هذا الكيان التوسعي العنصري.ذكرت أن السلطة الفلسطينية الحالية متواطئة في توطين اللاجئين، هذا اتهام خطير، ما دليلك عليه؟ أنا تربيت منذ كنت صغيرا على أن فلسطين بكل حدودها التاريخية هي وطني، وأنا مهجر من قرية محتلة منذ 48. كنا ولازلنا نناضل من أجل حق العودة إلى كل فلسطين، لذلك أنا أعتبر أن كل من يتخلى عن شبر من فلسطين هو متواطئ ضد القضية الفلسطينية. من يوافق على مشروع أوسلو ويكتفي بقبول دولة على 67 منزوعة السلاح ودون أي سلطة، ويعترف بوجود إسرائيل على أرضه، هو بلا شك متواطئ. الذي يوافق على المبادرة العربية ويعتبر أن حل مشكلة اللاجئين يتم من خلال الحوار، ويتجاهل القرار 194 الذي يفرض عودة اللاجئين إلى بيوتهم وممتلكاتهم التي هجروا منها، يعتبر في نظري متواطئا. الذي يوافق على المبادرة الفرنسية الأخيرة التي تدعو إلى حل مشكلة اللاجئين من خلال التوطين، هو متواطئ كذلك. لست بصدد اختلاق اتهامات، لكن هناك واقعا يتناقض مع السياسة التي تربينا عليها في إطار منظمة التحرير الفلسطينية ومواثيق الفصائل الفلسطينية، من ميثاق فتح إلى الجبهة الشعبية وما بينهما، فالكل كان يؤكد على تحرير كامل الأرض الفلسطينية. كل من يخرج عن هذه السياسة هو متواطئ، لأنه يتخلى عن مبادئ الإجماع الوطني الفلسطيني.حصول فلسطين على العضوية في الأمم المتحدة، إلى أي مدى ساهم في إعادة إحياء مسألة اللاجئين وجعلها مسألة عالمية؟  لا أبدا؛ لأن من وافق على قبول حل مشكلة اللاجئين عبر التوطين، أو بحرمانهم من حق العودة، فالأكيد أنه لا يعمل على حل المشكلة في الأمم المتحدة، وهو يتجاهل حتى قراراتها. السلطة الآن لا تشير إلى قرار 194 الذي يؤكد حق العودة، لأنه موضوع بالنسبة لها صار خارج البحث ولم تعد متمسكة به، وهناك أكثر من شاهد على أن السلطة تخلت عن موضوع حق العودة، وبالتالي لا نستطيع المراهنة عليها للدفاع عن حقنا في العودة.ربما فلسفة السلطة الآن أن حل طرد إسرائيل من كامل فلسطين هو حل مستحيل التنفيذ.. ما رأيك؟  عندما طرح موضوع البرنامج المرحلي الذي يدعو إلى فكرة القبول بالدولة الفلسطينية بالضفة والقطاع، كانت تستند إلى هذه الخلفية التي ذكرتها في سؤالك. كانوا يقولون إنه من الصعب القضاء على إسرائيل دفعة واحدة، بل مرحليا، وبالتالي دعونا نقيم دولة على المناطق التي من المفترض أن تنسحب منها إسرائيل بموجب قرار الأمم المتحدة، هكذا كان منطقهم. وكان يطرح السؤال: ماذا لو انسحبت إسرائيل؟ ماذا نعمل؟ هل نعيد الضفة إلى الأردن وغزة إلى مصر؟ فكان الجواب: لا.. نحن يمكن أن نقيم دولة على الأراضي التي انسحبت منها إسرائيل، على أن تشكّل هذه الدولة مرحلة نستند إليها لاستكمال النضال من أجل استرجاع ما تبقى من فلسطين.دعنا الآن نرى ما حصل بعد أوسلو 93، كيف سارت الأمور؟ رأينا أن حل الدولة على جزء من أراضينا لم يعد حلا مرحليا؛ بل استراتيجيا. الواقع على الأرض لا يعطيك أصلا مجالا لتبني دولة؛ بل يعطيك حكما ذاتيا في إطار مناطق تعتبرها إسرائيل أرضها. الإسرائيلي يتصرف على أن الضفة وغزة هي أراضي إسرائيلية، هو يتصور أن هناك أكثرية فلسطينية في الضفة، وغزة يتعامل معها عبر الحصار ويقوم بتكريس وجود سلطة حماس التي تصير مع الوقت الضامن للحدود مع إسرائيل، وهناك الضفة التي يهتم بها الإسرائيلي أكثر من خلال توسيع المستوطنات ومصادرة الأراضي والتنسيق مع السلطة للسيطرة الأمنية، من ثم لم يعد هناك حل دولتين أو حل برنامج مرحلي.إسرائيل استفادت بالدخول في تسوية معها أدت إلى اتفاق أوسلو لتفرض مشروعها هي، ولا تمكن الفلسطينيين من تنفيذ المشروع المرحلي. النقطة الأخرى، لما بدأت الثورة في الجزائر ألم يكن هناك تيار في الجزائر يقول إن فرنسا دولة عظمى ولا يمكن أبدا إخراجها من الجزائر، أو أنه حلم، لكن الزمن أثبت العكس.. فعندما يكون إصرار وتحدي من الشعب، تتحرر الأرض. في اليمن مثلا، احتلال بريطاني ضخم وقواعد عسكرية باليمن الجنوبي، وشعب اليمن مثلما نسميه هو شعب الحفاة وشعب فقير، فكيف تخلص من البريطانيين. في فيتنام أمريكان لها النفوذ الطويل، مثلما قال أحد قادتها مع الدكتور جورج حبش أحيانا كانت الطائرات تحجب الشمس عن الكثير من المناطق والقرى في فيتنام، وكانوا يدمرون قرى كاملة، لكن مع ذلك انتصروا؛ لأنهم يمتلكون إرادتهم.هل هذا الوضع مسؤولة عنه السلطة، أم أيضا حماس التي استفردت بغزة؟  أميز بين صيغة الحل السياسي التي جرى فيه اتفاق أوسلو.. هذا تتحمّله قيادة فتح، لأنها هي التي كانت تقود هذا النهج، وحماس لم تكن شريكة، بالعكس حماس جاءت على أنقاض هذا الحل السياسي. جاءت حماس لتقول إنها مستمرة في المقاومة ولن تكون مثل فتح التي قبلت أن تكون سلطة، وهذا ما جعل الشعب يلتف حولها ليس حبا فيها، وإنما رفضا لأسلوب الحل السياسي الذي تقوده فتح، فحتى المسيحيون انتخبوا حماس واليساريون أيضا.. لهذا السبب ترفض حماس انتخابات جديدة؛ لأنها تعرف أن الظروف التي جاءت بها لم تعد قائمة. نحن نحمّل حماس مسؤولية أنها لم تستمر في النهج الذي مثلته، وعلى أساسه تم انتخابها، لا بنهج المقاومة ولا بنظافة اليد ولا باحترام الشعب والناس ولا بنهج الانفتاح على الآخر. جاءت حماس لتكرر تجربة فتح نفسها.. صارت المقاومة لها ورقة تكتيكية لتكريس وجودها بسلطة، وهي ترفض الآخر مثلما تفعل فتح، لا تعطي وزنا للشعب وطموحاته وإرادته، وتقمع أي تحرك شعبي. كانت هناك محاولة لعقد مؤتمر قبل فترة يدعو لإعادة الوحدة الوطنية، وممارسة الضغط على القيادات الفلسطينية، ومع ذلك حماس رفضته، وهذا دليل على أنها تمارس أسلوب الضغط نفسه في رام الله. يمكن تحميلها مسؤولية تكريس الانقسام والتجاوب مع سياسة الحلول السياسية والترضيات والدخول بصفقات مع تركيا وقطر (ممر مائي مع قطاع غزة).. إسرائيل لا تعطيك شيئا دون ثمن، والثمن هو وقف المقاومة والدخول معها بصيغة، بحيث تكون مسؤولا عن أمن حدودها. ممنوع طلقة تخرج من قطاع غزة مثلما تفعل السلطة في الضفة. كل شيء له ثمن، خاصة لما يكون الوسيط مثل تركيا أو قطر.ماذا عن اللاجئين الفلسطينيين في الجزائر؟ هناك صلة رحم تشد الجزائريين والفلسطينيين، عكس دول عربية أخرى لديها نظرة ريبة للفلسطينيين. أبدا ليست لنا ملاحظات نقدية لسياسة الجزائر تجاه اللاجئين الفلسطينيين.. نحن طموحنا بسبب هذه العلاقة المميزة الفلسطينية الجزائرية، أن يصير اهتمام أكثر بأوضاع اللاجئين، خاصة أن قسما كبيرا من الطلاب الذين درسوا هنا ولم يعد بإمكانهم الرجوع إلى غزة، فرص العمل مغلقة في وجههم. التقيت بشاب درس محاماة وتخرّج من الجامعة، لا يستطيع العودة ولا العمل، لا محامي ولا في مكتب محاماة، يشتغل الآن نادلا بمطعم.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات