أحمد زويل.. محراب العلم الذي دمرته السياسة

38serv

+ -

قال في أحد المؤتمرات الصحفية “الأوروبيون ليسوا أذكى منا ولكنهم يقفون ويدعمون الفاشل حتى ينجح..أما نحن فنحارب الناجح حتى يفشل”. لا يكاد يختلف اثنان على أنه مثل فارق في مسيرة العلم، وسجل اسمه كأول عربي يحصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999. أحمد زويل، مصري احتضنته الولايات المتحدة ودعمته وجعلت منه عالما، بل نابغة في الكيمياء، يتندر العرب والمصريون بشأنه ويقولون إنه لو بقي في مصر لكن رقما من بين آلاف الأرقام، لكن مواقفه السياسية شكّلت نقطة سلبية في مسيرته وخلقت له عداءات مجانية لدى فئات واسعة من المجتمع المصري ومجتمعات العرب بشكل عام، والذين استذكروا مواقفهم السلبية إزاءه بعد وفاته.نشأته ودراستههو العالم المصري الأصل الحاصل على الجنسية الأمريكية أحمد حسن زويل، وُلد في 26 فيفري 1946، عاش حياة عادية كأي مصري بسيط يولد في مدينة دمنهور في محافظة البحيرة، وانتقل بعد ذلك مع عائلته إلى مدينة دسوق في كفر الشيخ حيث أكمل تعليمه الثانوي.تخصص بعد ذلك في الكيمياء في كلية العلوم بجامعة الإسكندرية، وحصل على مرتبة الشرف عام 1967، وأكمل دراسته الأكاديمية فيها، وتم تعيينه في ذات الكلية، وحصل على درجة الماجستير عن بحث أجراه حول علم الضوء.كانت مصر في ذلك الوقت كغيرها من الدول العربية تشهد غليانا بفعل ما جرى في فلسطين، كما شهدت في العام نفسه الذي تخرج فيه زويل خسارة المعركة، إضافة لـ5 جيوش عربية أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي فيما عرف “النكسة”. سافر زويل إلى الولايات المتحدة الأمريكية فحاز على درجة الدكتوراه في علوم الليزر العام 1974، بعد حصوله على منحة دراسية أهلته ليشغل منصب باحث في جامعة كاليفورنيا، ثم انتقل بعد سنتين للعمل في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا “كال تيك”، وبفضل الخبرة التي حصل عليها والكفاءة التي تميز بها رُشح ليدير بذات المعهد عام1990  مختبر العلوم الجزيئية ومركز الأبحاث متعدد الاختصاصات. وقد منحته الولايات المتحدة الأمريكية الجنسية الأمريكية سنة 1982.رُشح الدكتور أحمد زويل لنيل جائزة نوبل للكيمياء وفعلا فاز بها سنة 1999 نتاجا لأبحاثه الرائدة في علوم “الفيمتو” التي أتاحت مراقبة حركات الذرات أثناء التحولات الجزيئية في زمن الفيمتوثانية، وهو جزء من مليون مليار جزء من الثانية. ما فتح أمامه آفاقا جديدة في مجال الكيمياء وعلم الأحياء وعلم الصيدلة لتطوير التفاعلات الكيميائية والكيميائية الحيوية بشكل أكثر كفاءة وأكثر انتقائية، ما ساهم في إحراز تقدم في مجال الصحة.في العام 2013 كشف عن إصابته بورم سرطاني في النخاع الشوكي، وقال آنذاك إنه تخطى المرحلة الحرجة وإنه في المراحل النهائية للعلاج، لكن حالته ساءت خلال الأسابيع الماضية، لتوافيه المنية يوم الثلاثاء 2 أوت 2016 عن عمر ناهر 70 عاما.خلال حياته تزوَّج أحمد زويل مرتين: أولا من ميرفت وكانت طالبة عنده، ونشأت بينهما قصة حب وتزوجها، وواصل كل منهما أبحاثه، وعندما كان يستعد لمنصب أستاذ مساعد فى معهد كاليفورنيا التكنولوجي بجامعة كالتك مرت علاقتهما بفترة عصبية، وصلت الحياة بينهما إلى طريق مسدود واستقل كل منهما بعالمه، حسب ما سجله فى كتابه “عصر العلم”. والثانية أستاذة كيمياء تصغره بعامين، أنجب منها ابنتين الأولى مها (38 سنة) متزوجة منذ 1994 من أستاذ كيمياء أمريكي، وهي أستاذة بجامعة سوزويستيرن بجورجتاون ولاية تكساس، والثانية أماني (37 سنة) طبيبة أمراض نساء وتوليد تخرجت من جامعة شيكاغو.أبحاثه والجوائز التي تحصل عليهاتقديرا لعطائه وتفوقه في مجال الكيمياء، استحق زويل الكثير من الجوائز والمناصب الشرفية عبر مختلف دول العالم، ففي عام 2000 انتخبته الأكاديمية البابوية ليصبح عضوا بها ويحصل على وسامها الذهبي. وفي نوفمبر 2009 تم تعيينه كأول مبعوث علمي للولايات المتحدة إلى دول الشرق الأوسط، كما عينه الرئيس الأمريكي باراك أوباما قبل ذلك في المجلس الاستشاري الرئاسي للبيت الأبيض، وحصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة أوكسفورد والجامعة الأمريكية بالقاهرة وجامعة الإسكندرية.ومن الجوائز الشهيرة التي حصل عليها لقاء أبحاثه المتواصلة، والتي تصل إلى حوالي 100 جائزة، ألبيرت آينشتاين العالمية ووسام بنجامين فرانكلين وجائزة الامتياز باسم ليوناردو دافنشي وجائزة الملك فيصل العالمية في العلوم وميدالية بريستلي، وهو أرفع وسام أمريكي في الكيمياء، إضافة إلى ماكس بلانك وهوكست الألمانيتين، علاوة على أنه انتُخب عضوا في أكاديمية العلوم والفنون الأمريكية. كما منحته فرنسا وسام جوقة الشرف الوطني برتبة فارس. وفي بلده الأصلي مصر تُوج بوسام الاستحقاق من الدرجة الأولى وبقلادة النيل العظمى، وهي أرفع وسام مصري.ومن بين منشوراته، “رحلة عبر الزمن.. الطريق إلى نوبل”، كتاب “عصر العلم” الذي تم إصداره سنة 2005، “حوار الحضارات” وهو آخر مؤلفات الدكتور زويل المنشورة باللغة العربية وذلك في سنة 2007.العالم الذي حطمته السياسة “أنا إنسان صريح وليس لي طموح سياسي”، بهذه العبارة رد العالم أحمد زويل على كل من اتهمه أنه يريد دخول غمار السياسة والمشي في غياهبها، لكن مواقفه أوضحت عكس ما أعلن عنه في وقت مضى، فعلى الرغم من الإجماع العالمي على أهمية إنجازات زويّل العلمية والأوسمة والجوائز الفخرية التي نالها طيلة حياته، فإن الأوضاع السياسية في مصر أحدثت انقساماً في الآراء حوله، خصوصاً أنه كان من بين الشخصيات التي دعمت الانقلاب في مصر، وله تصريح شهير حول تفريعة قناة السويس التي سوّق لها الإعلام المصري كإنجاز للسيسي وانتقدها الإعلام الغربي، حيث قال زويل إن ما فعله السيسي هو إنجاز في تاريخ مصر.بعد ثورة 25 جانفي التي غيرت الواقع السياسي في مصر، أصر أحمد زويل وبشكل مفاجئ أن يكون في مصر بعد تنحي الرئيس مبارك مباشرة، وكما ذكر بنفسه لم يجد رحلة طيران مباشرة لمصر، ولهذا اضطر للمرور بأكثر من دولة ليصل مصر مهما كلف الأمر، لذلك اتهمه البعض بأنه يبحث عن موطئ قدم في السياسة بأي ثمن، ولهذا وجه أحمد زويل في عام 2011 بعد أيام من تنحية مبارك رسالة صوتية للشعب المصري، وحرص بنفسه أن يتصل بكبرى القنوات الفضائية لضمان وصول صوته من خلالها، وقد دعا زويل في هذه الرسالة لأمر غير مسبوق في نطاق السياسية العربية، حيث طالب بتشكيل لجنة حكماء لإدارة أمور البلاد في مصر. وبعد أن كان أحمد زويل أثناء الانتخابات الرئاسية عامي 2005 و2010 وقت حكم الرئيس حسني مبارك يصرح بأنه لا طموح سياسي له وأنه يريد أن يخدم مصر كعالمٍ فقط، إذا به بعد أسبوعين من سقوط حسني مبارك يصرح في ندوة علمية إعلامية بفندق في القاهرة بأن المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقه جعلته يدخل في مرحلة التفكير في الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة.ومعلوم أن الدكتور أحمد زويل لم يترشح في الانتخابات المصرية الرئاسية عام 2012، لأنه بعد سنة ونصف من حكم المجلس العسكري وتوليه زمام أمور البلاد يكون زويل قد فهم أبعاد اللعبة السياسية، وأنه لم يتغير شيء بخصوص تجذر “الدولة العميقة” وعدم قبولها بتغيير طريقة وأسلوب الحكم القديم الاستبدادي.ولهذا نجد الدكتور أحمد زويل يجامل الحكم العسكري في مصر كما كان يجامل الحكم الاستبدادي في زمن المخلوع حسني مبارك. وكان في الصفوف الأولى في حفل تنصيب الرئيس العسكري السيسي، كما شارك في حفل تدشين تفريعة قناة السويس، وغيرها من اجتماعات السيسي مع المثقفين والإعلاميين.وربما كان المقال الذي كتبه زويل لصالح صحيفة “لوس أنجلس تايمز” في نوفمبر 2013 بمثابة رسالة واضحة لدعمه نظام السيسي، حيث دعا فيه الولايات المتحدة لدعم النظام الجديد، وجاء في المقال أيضا “نجح السيسي في إقناع غالبية المصريين بالالتفاف خلفه، واتخذ خطوات جادة تجاه إصلاح الاقتصاد العليل، وأعطى أملا لمصر عبر البدء في مشروعات قومية كبيرة، بما في ذلك مدينة العلوم والتكنولوجيا التي كنت ضالعا في الترويج لها على مدى سنوات عديدة”.وبعد موته استرجع المصريون صُورا تظهر زويل وهو يلقي خطابا وسط حشد من المسؤولين الإسرائيليين، حيث تم تكريمه من قبل رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي عزرا وايزمان، كما برزت اتهمات غير مؤكدة عن أنه كان مسؤولا عن “تطوير منظومة صواريخ” استخدمها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.وكانت هذه التصرفات التي نتجت عن العالم زويل صاحب فكرة “مدينة زويل للعلوم” التي لم تجسد على أرض الواقع هي ما جعله في موقع انتقاد من طرف المصريين خاصة والعرب عامة، لكن ومع كل ما طرح في الإعلام من انتقادات لزويل وبغض النظر عن توجهاته وأفكاره، فإنه كان عالما استحق ويستحق الاحترام والتقدير حتى بعد مماته.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات