38serv

+ -

رغم ترسيخ ثقافة التبرع بالدم في المجتمع الجزائري، والإقبال الكبير من طرف المواطنين على هذه الخطوة، فإن الكثير من المتبرعين يُصدمون بواقع مر عكس ما كانوا يتوقعونه، إذ تقف أمامهم عراقيل إدارية بمراكز التبرع بالدم تصعب عليهم القيام بهذه الخطوة الإنسانية. وارتأت “الخبر” التقرب من بعض هؤلاء، وقضت يوما بين مختلف المستشفيات في العاصمة لمعرفة مدى توفيرها للظروف اللازمة للمتبرعين.

 كانت محطتنا الأولى المستشفى الجامعي إسعد حساني في بني مسوس، الساعة تشير إلى الواحدة زوالا، قصدنا مصلحة التبرع بالدم، وجدنا حوالي 9 أشخاص في قاعة الانتظار من بينهم عمي عمار، رجل في العقد السادس، تبدو على ملامحه علامات القلق والتعب، وهو منهمك بمحاولة إقناع أحد أفراد عائلته الذي تخوف بعض الشيء من التبرع. اقتربنا منه في ثوب متبرعين كي نسأله عن سبب وجوده بالمكان، ليسترسل في الحديث معنا عن وضعية ابنته ذات 10 سنوات التي أصيبت بسرطان الدم، وهي بحاجة ماسة إلى الصفائح الدموية، فدعا بعض أفراد عائلته للتبرع، خاصة أنه لم يجد الزمرة الدموية المطلوبة بالمركز، لاسيما أن الشخص الذي كان برفقته قرر الانسحاب بعد طول انتظار وقلق كبير. جلسنا في قاعة الاستقبال قليلا ننتظر دورنا، كان الصمت يعم المكان مع حركة بطيئة، وفجأة شد انتباهَنا سلوكٌ غير طبيعي بعد دخول رجلين في نقاش حاد مع أحد العمال بالمصلحة، بعدما مُنع أحدهم من التبرع بصفائحه الدموية بحجة أنه لم يأخذ موعدا سابقا، لأن الجهاز المخصص لسحب الصفائح الدموية يستغرق ما يقارب الساعتين، وأن هناك عددا محددا في اليوم يُستقبل خلاله المتبرعون.المتبرع مجبر على التقيد بالوقتدفعنا فضولنا للإسراع والالتحاق بالرجلين بعد خروجهما من المصلحة لمعرفة التفاصيل، رفضا في البداية الكلام معنا، لكن بعد أن ألححنا عليهما ووعدناهما بالمساعدة نظر إلينا أحدهما والدموع تغمر عيناه قائلا “ابني يرقد بالمستشفى منذ أكثر من 20 يوما، وحالته حرجة جدا بعد إجرائه عملية جراحية على مستوى الرأس تستلزم تزويده بكمية من الدم عاجلا. وأنا الآن مكتوف الأيدي بعدما مُنع أخي من التبرع ولا أدري الآن ما العمل”.توجهنا بعدها لأحد العاملين بالمصلحة لنسأله عن تفاصيل عملية التبرع بالدم، وكذا الأوقات التي يتمكن فيها للمواطنين القيام بهذه الخطوة، فأفاد بأن ساعات التبرع بالصفائح الدموية تنحصر بين 8 صباحا إلى 14 زوالا، نظرا للإجراءات التي تنطبق على ذلك من فحوصات وتحويل عينات الدم إلى المخابر وغير ذلك، بينما التبرع بالدم متاح على مدار الأسبوع وخلال المناسبات الرسمية، من الساعة 8 صباحا إلى غاية الساعة 17، وهي في نظره أوقات مناسبة للوافدين.تركنا مستشفى بني مسوس بما فيه من ذكريات راسخة في عقولنا لأناس أجبرتهم ظروفهم الصحية على تحمل أوجاع فوق مرضهم، لنلتحق بعدها بمحطتنا الثانية وهي المستشفى مصطفى باشا الجامعي.وجهان لعملة واحدةولجنا مصلحة التبرع بالدم لنجد بعض الشباب المتطوع، انضممنا لجماعة كانت تخوض في بعض الأحاديث الدينية، فيما يخص القيام بهذه العملية التي تعتبر إنسانية بالدرجة الأولى، بعدها دخلنا في نقاش مع أحدهم فقال “أنا أقبل على هذه الخطوة منذ 3 أعوام والحمد لله ليس لدي أي مشاكل صحية، إلا أنني لا أتمكن أحيانا من القيام بذلك نظرا لأوقات عملي التي لا تسمح لي بالتوجه متى أردت لمركز التبرع الذي ينتهي العمل به على الساعة 16سا”. وشاطره الرأي سفيان “فور سماعي خبر إصابة زميلة لي بمرض خطير وهي بحاجة ماسة إلى صفائح دموية، سارعت إلى المستشفى من أجل التبرع، إلا أنني فوجئت بغلق مركز تحقين الدم على الساعة 16سا، بسبب تأخري، وحاولت كثيرا الدخول لكن الحظ لم يسعفني، فسارعت حينها إلى مستشفى مصطفى باشا، لكني لقيت نفس الرد، فساعات التبرع بالدم تنحصر بين الساعة 8 صباحا إلى 16 سا. التحقت في الغد بمستشفى بني مسوس، غير أنه طلب مني الالتحاق بمستشفى مصطفى باشا لأن المريضة كانت تعالج بمصلحة بيار وماري كوري، ولا يمكن نقل الدم إلى هذا الأخير، وأنا الآن أنتظر دوري بعدما سمح لي مديري في العمل بالخروج باكرا”.التقينا بعدها بطارق، 35 سنة من العاصمة، فقال “في حقيقة الأمر، أرغب كثيرا في القيام بهذا العمل الإنساني، خصوصا عندما أسمع عن الحالات التي هي بحاجة إلى الدم، وهذه المرة الثالثة التي آتي فيها إلى هنا، كما أشارك في الحملات الخاصة بالتبرع، إلا أنني أصادف أحيانا عراقيل، فرغم الإقبال الكبير للمواطنين فإن المستشفيات عادة ما تمتنع عن العمل في عطل نهاية الأسبوع، ما يؤدي إلى تأخر انطلاقها في الأوقات التي تم تحديدها”، ليبقى المريض وحيدا يدفع فاتورة الإجراءات البيروقراطية.رئيس الفيديراية الجزائرية للتبرع بالدم يدعو لنظام المناوبةدعا رئيس الفيدرالية الجزائرية للتبرع بالدم غربي قدور مسؤولي الصحة إلى اعتماد نظام المناوبة بمراكز التبرع بالدم على مدار 24 ساعة، وكل أيام الأسبوع والعطل الرسمية، خاصة أن هناك حالات تتطلب التدخل العاجل كإصابات الحوادث، ولا يجد المريض زمرة دمه اللازمة عند وصوله في ساعات متأخرة للمستشفى، الأمر الذي قد يؤزم حالته الصحية ويؤدي حتما إلى ما لا يحمد عقباه. 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات