العزيز سعد، تحياتي لك من بروكسل.. كما تعلم لقد قصرت لنا وسائل التواصل الاجتماعي المسافات بين الدول والشعوب، وأصبحت أقرأ عمودك ربما قبل الآخرين في الوطن. وهكذا قرأت عمودك ليوم الثامن أغسطس والذي يدور حول فقدان الأخلاق في الجزائر واختلاط الحابل بالنابل لدى عامة الناس. ولكنني لا أتفق معك عندما تتحدث عن نقص في التربية الدينية التي فقدها المجتمع.. أكيد أنك مثلي تتحدث عن التربية الدينية التي كانت في وقتنا نحن وهي رائعة وسمحت لي ولك ولجيلنا أن نكون أسوياء ونفرق بين الخير والشر والمقبول والمرفوض. ولكن الدين الجديد الذي تملأ به الدنيا الآن ليس ذلك الذي تعلمناه، بل الدين الجديد يبيح للرجل الاستمتاع بالبنت منذ ولادتها إلى أن تصل إلى سن تكون فيها قابلة لأن يطأها الرجل. وما عليك إلا أن تعود لنقاشات البرلمان المصري وقت الإخوانجية وما قالوه بهذا الخصوص. بل حتى الزوجة الميتة لم تمنع من النكاح وتمت إباحة ذلك، ثم نتكلم عن حرمة الميت في الإسلام.العزيز سعد.. إن تفسيرك لظاهرة تدهور المجتمع الجزائري بغياب الوازع الديني، خطأ من وجهة نظري، لأن الصين والهند واليابان هي مجتمعات غير مسلمة ولكنها لا تسمح بالقتل ولا بالرشوة ولا بالسرقة، كما هو حال مجتمعات إنسانية كثيرة نتعرف على ما يجري فيها بفضل التقنيات الحديثة وهي ليست مجتمعات مسلمة، ولكنها تطبق على الأقل الوصايا العشر لموسى والتي تحرم القتل إلخ.. وهي أيضا موجودة في القرآن الكريم بعدد 14 تحريما حسب الكثير من الباحثين. وكل هذه المحرمات أدمجت لاحقا في القانون الوضعي في كل المجتمعات الإنسانية التي نعرفها اليوم. لا يوجد مجتمع إنساني واحد في هذه الدنيا لا يعاقب القاتل ولا السارق ولا المرتشي والكذب والشهادة المزورة و«الحديث قياس” إلا في الجزائر طبعا. وهذا هو مصدر الخلل وليست التربية الدينية، لأن تعاليمها نقلت إلى القانون الوضعي.إذا كان تفسيرك صائبا، كيف تشرح للمواطن امتلاء المساجد بالمصلين، وفي نفس الوقت تتنامي ظواهر القتل والسرقة والاعتداء وكراهية المرأة التي أصبحت تعامل في البلدان المسلمة بأقل مما يعامل الحيوان. وكيف تحوّل بلحمر إلى زعيم وطني رغم أن الشعوذة محرمة دينيا. وكيف أصبح مرددو كتب التراث أئمة صالحين يدلون بدلوهم في القنوات التلفزيونية الخاصة، في وقت يحتدم فيه النقاش في بلدان إسلامية أخرى حول صدقية وصواب ما كتب في القرون الغابرة وما نقل لنا، وأغلبه كتابات إنسانية تمت في القرن الثالث الهجري بما فيها تجميع الحديث النبوي.ماذا تنتظر من مجتمع أصبح فيه القاتل والمجرم يتباهى بفعلته أمام الملأ وعلى الهواء مباشرة؟ وماذا تنتظر من مجتمع أصبح فيها المتهم بسرقة المال العام تقدم له الولاءات “الدينية”؟ أو ماذا تنتظر من مجتمع أصبح لباس المرأة هو أساس النقاش وليس غياب العدل والسرقة وتدهور القيم الإنسانية الأخرى التي كرسها ديننا الحنيف؟مع تحياتيلخضر فراط من بروكسل❊ أخي لخضر.. لك الحق في كثير مما قلت..أنا وأنت أخذنا التربية الدينية عندما كان الدين دين الشعب. أما وقد أصبح الآن الدين دين الدولة وليس دين الشعب كما كان من قبل، وأصبح ملكية للدولة تتصرف فيه بن غبريط كما تتصرف في الميزانية التي ترصدها لها الدولة لتسيير الوزارة... لذلك استوردت لنا الحكومة سلعا دينية من إنتاج سعودي وأفغاني وخليجي وإيراني ومصري. فأصبح دين الشعب دين شعوب، بفضل ملكية الدولة للدين حسب نص الدستور.في 1982 سألني عالم دين كشميري في مسجد بنيودلهي “لماذا لم تتطوروا أنتم العرب رغم أنه لا يوجد عندكم معضلة التباين بين الدين ولغة الحياة لدى الشعب، مثلما هو الحال عندنا نحن في الهند وفي مناطق أخرى من العالم الإسلامي”؟ǃ فلم أجد ما أجيبه به على سؤاله سوى السكوتǃ[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات