مصير العمال بين أيدي حكومة لا تعترف بالشركاء النقابيين

+ -

 كان متاحا للحكومة أن تتجنب “الصداع” الناتج عن قرارها إلغاء التقاعد النسبي تحديدا، باحترامها النقابات المستقلة عبر فتح نقاش واسع حول صيغ التقاعد والإصغاء إلى صوتها. لكن الذي حصل أن الإعلان عن الإلغاء كان “ارتجاليا” من رأس الحكومة عبد المالك سلال، السنة الماضية، في ثلاثية بسكرة حينما تحدث عن أزمة ضربت صندوق التقاعد، وبقيت الحكومة “راكبة لرأسها” إلى أن بلغت مقصدها، فكانت المحصلة “إلغاء صيغ التقاعد دون إجماع نقابي”.ألغى إقصاء الحكومة للنقابات المستقلة في مسألة “إلغاء التقاعد النسبي”، الحواجز بين التنظيمات العمالية ذات التوجه المستقل، واجتمع الأضداد أصحاب الحرب لتوزيع بطاقات الانخراط، على كلمة واحدة وفي صف واحد يرددون شعارا واحدا “لا لإلغاء التقاعد النسبي”. وفرصة كسر المنافسة بين النقابات أعطتها لهم الحكومة على طبق من ذهب، فاجتمعت في تكتل واحد بدءا بسبع نقابات، ثم انتقل العدد إلى 13 نقابة ليصل حاليا إلى 17 تنظيما، والقائمة مفتوحة.غياب “الإجماع النقابي” عن تلك الصورة النمطية التي تشرك فيها الحكومة، المركزية النقابية وتقصي فيها النقابات المستقلة، حول مسألة حساسة كـ”التقاعد”، أثبت للرأي العام أن نظر الحكومة يعاني من “قصور مزمن”، مادامت ترى في النقابات المستقلة التي تؤدي دورها القطاعي فقط، أي كل نقابة تنشط في قطاعها الذي تمثل فيه العمال لا غير، مع أن منطق العمل النقابي أكبر بذلك بكثير، فالنقابات شريك اجتماعي لوزارة تنتمي لحكومة، وفي نقابات قطاع التربية خير دليل حيث يوجد تنظيم نقابي يحشد وراءه أكثر من 200 ألف أستاذ وعامل.وينبع تنديد النقابات المستقلة بغياب “الإجماع النقابي”، من تعامل السلطة القائم على مكيالين وامتناعها عن الاقتناع بإفرازات الخريطة النقابية الجديدة التي أضحت أمرا واقعا يجب الاعتراف به. فقد تمسكت النقابات الناشطة ضمن التكتل، في اجتماعها، بضرورة ترقية الحوار إلى تفاوض، بإشراك الحكومة للنقابات المستقلة في أي فضاء حواري تفاوضي، كما هو معمول به في كل الدول الديمقراطية.ولم يكن ارتفاع صوت النقابات المستقلة التي أقصتها الحكومة، إلا انطلاقا من مبدأ الحفاظ على مكتسبات الطبقة الشغيلة، وضمن هذا الأساس لا تزال النقابات تطالب بحقها في الاطلاع على مسودة مشروع قانون العمل وإشراكها في إثرائه وصياغته قبل صدوره، في الوقت الذي حذرت الحكومة من تطبيق ما تمخض عن الثلاثية حول التراجع عن التقاعد النسبي والتقاعد دون شرط السن، الذي يعد، حسبها، إخلالا بالتزاماتها وتعهداتها نحو المكاسب الاجتماعية المحققة، وأيضا ما تعلق بقانون العمل دون أخذ آراء ومقترحات النقابات المستقلة. وأمام الجدار الذي فرضته الحكومة بينها وبين النقابات المستقلة، يقول القيادي النقابي في قطاع التربية، الصادق دزيري، لـ”الخبر”، إن “الحكومة لا خيار أمامها إلا الاستجابة لمطلب إسقاط قرار إلغاء التقاعد النسبي، فمعالجة هذا الملف تقتضي إعادة النظر في القرار على الأقل، وليس التراجع عنه كلية، عبر فتح نقاش موسع لمعرفة ملابسات ودواعي قرار إلغاء التقاعد النسبي، وبالتالي إذا عرفت الأسباب يمكن معالجتها خصوصا ما تعلق بشق تمويل صندوق التقاعد”.وأوضح دزيري أن “المعالجة تكون بإشراك الخبراء والمختصين في العلوم الاجتماعية قصد إيجاد الحلول، وما عدا ذلك فالحكومة أمام خيار فتح الباب بنفسها أمام الاحتجاجات بكل أنواعها، وهذا النوع من الصدامات، المجتمع والبلد في غنى عنها ولسنا في حاجة إليها”.لماذا غيبت الحكومة الإجماع النقابي عن موضوع إلغاء التقاعد رغم حساسيته؟ سؤال يجيب عنه القيادي النقابي: “الحكومة تتعامل مع النقابات قطاعيا، يعني تفرض عليها في قطاعها الذي تنشط فيه فقط، وهذا في نظري قصور في التعامل مع النقابات المستقلة، الذي يغيب عنه (التعامل) أساس كون النقابات شركاء اجتماعيين، وهذا بالضبط نعتقد أنه تهميش وإقصاء وأحيانا “عفس” لآرائنا”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات