"يمكن للجزائر أن تستورد المحروقات بعد 20 سنة إذا لم يتغير الوضع الحالي"

+ -

اعتبر المدير الأسبق لقسم الاستكشافات بسوناطراك، سعيد بغول، أن الجزائر إذا لم تغير الوضع الحالي يمكن أن تتحول إلى دولة مستوردة للمحروقات، مع تواضع الاكتشافات الجديدة وسرعة نمو الاستهلاك المحلي، مشيرا إلى أنه في غضون 2026 أي بعد عشر سنوات ستصبح صادراتنا قليلة إذا لم تتغير وضعية مضاعفة المخزون، مؤكدا أن الجزائر أمام تحدي تراجع الإنتاج الغازي وزيادة الاستهلاك المحلي الذي ينمو بمعدل ما بين 7 و8 في المائة سنويا، موازاة مع تراجع الأسعار وقرب انقضاء مدة العقود طويلة الأجل.هل يمكن للتحولات التي يعرفها سوق الغاز من بروز فاعلين جدد وتراجع الحصة الغازية للجزائر في السوق الأوروبي وتقلبات الأسعار أن تؤثر على السياسة الغازية للجزائر؟ بكل تأكيد، فالغاز يمثل ما بين 40 إلى 50 في المائة من الإيرادات، وثانيا هنالك عاملان مزدوجان، فمن جهة تدنت الأسعار ولكن أيضا نسجل انخفاضا في حجم الصادرات، فنحن نصدر أقل بكثير مما كنا نصدره منذ عشر سنوات، حيث كان الحجم المصدر يفوق 60 مليار متر مكعب، وحاليا تدنت مستويات التصدير إلى حدود 50 مليار متر مكعب، وبالتالي هنالك مشكل تقلص حجم الصادرات، وفي الوقت نفسه هنالك مشكل الأسعار. فالغاز الأمريكي، مثلا، بلغ معدلات ما بين 2 و3 دولار لكل مليون وحدة حرارية، بل بلغ حتى مستوى أقل ما بين 1.5 و1.6 دولار، ورغم تحسن طفيف في المعدل، فإن المشكل مازال قائما. صحيح أن الغاز الجزائري لايزال إلى الآن مرتبطا بالعقود طويلة الأجل، وبالتالي فإن درجة المخاطر حاليا أقل.لكن ما هي آفاق تطور سوق الغاز على المدى المتوسط والبعيد؟إذا كان الإشكال غير مطروح حاليا، فإنه في غضون 2018 و2019 ستبرز إشكاليات انقضاء مدة العقود طويلة الأجل لسوناطراك مع زبائنها الأوروبيين، حينها سنشهد توجها للشركات بمطالبة إعادة التفاوض ومراجعة الأسعار وبنود العقود طويلة الأجل.ما الذي يريده ويطالب به الأوروبيون بالخصوص؟ من بين المطالب أن يباع الغاز وفقا لأسواق سبوت أي على المدى القصير. فمثلا، نشهد تنافسا لعرض الشركات والدول وبالتالي تنافسا داخل منظومة المنتجين للغاز، ما يؤثر على الأسعار. فهنالك شركات مثل غازبروم والأمريكيون والقطريون وغيرهم، وهذا المشهد لن يكتمل إذا ولكن نشهد البداية مع الشحنات الغازية الأمريكية للبرتغال وقطر، فالتهديد سيتبلور مع 2018 و2019، خاصة مع انتهاء مدة أغلب العقود الغازية الجزائرية طويلة الأجل، حينها ستدفع الجزائر لأن تسوق الغاز بأسعار أقل يمكن أن تتراوح ما بين 6 و7 دولارات مثلا، لأن متوسط سعر الغاز الجزائري المسوق حاليا يتراوح ما بين 10 و11 دولارا لأوروبا تقريبا. فأسعار الغاز ليست متدنية بدرجة كبيرة حاليا، مثلما هي عليه أسعار الغاز في أسواق سبوت، ولا تزال مرتبطة بسعر النفط، والعقود سارية دائما.لكن المدة تظل قصيرة أي سنتين أو ثلاثا قبل انقضاء مدة معظم العقود، كيف يمكن أن تتعامل الجزائر؟ صحيح ليس الأمر مرتبطا بالمدى الطويل، ولكن يمكن أن ننتظر تغيرات خلال السنتين المقبلتين مع تموقع جزائري في أوروبا مجددا، التي تبقى أهم سوق لنا في مجال الغاز.ولكن سجلنا تراجعا للحصة الجزائرية في السوق الأوروبي مع ذلك من 12 إلى 8 في المائة، هل يشكل ذلك تحديا؟ بالتأكيد، الحصة الأوروبية تتراوح ما بين 8 وحتى 7 في المائة، فخلال نهاية السبعينات وبداية الثمانينات كانت الحصة الجزائرية في سوق الغاز الأوروبي تقدر بـ16 في المائة، ما يبين مكانة الجزائر آنذاك، ثم انخفضت إلى 12 في المائة، وبالإمكان أن تتراجع حصتنا في أوروبا إلى أقل في ظل المنافسة، ولكن الجزائر تمتلك مزايا كبيرة يمكن توظيفها مقارنة بالغاز القطري والأمريكي والأسترالي.ما هي طبيعة هذه المزايا؟ نحن قريبون من أوروبا ولدينا شبكة من أنابيب الغاز توصل مباشرة الغاز الجزائري إلى السوق الأوروبي، وهو ما يساهم في انخفاض التكلفة. ولكن بالنسبة للغاز الأمريكي والأسترالي والقطري، فإن التكلفة ترتفع مع نقل الغاز والانتقال من بلد إلى آخر، وبالتالي فإن التكلفة ترتفع، فالأعباء كثيرة من التمييع وإعادة التحويل كغاز، وبالتالي أحيانا يصبح السعر قريبا من سعر التكلفة، ومن ثم فلا أرباح كبيرة.هل يمكن أن تقوم الجزائر بتنويع زبائنها منها دول آسيا التي تعد من أكبر المستهلكين للغاز؟ لا أعتقد ذلك، فالزبائن الطبيعيون للجزائر متواجدون في أوروبا، صحيح أننا فقدنا السوق الأمريكي وصحيح أن دول آسيا من أكبر المستهلكين، والأسعار أكثر ارتفاعا ما بين 12 و14 دولارا، ولكن التكلفة لنقل الغاز الجزائري ستكون أكبر من أوروبا. لذلك، فإن حتى الدول الآسيوية نفسها تفضل أن تقتني الغاز من مصادر قريبة.وماذا عن تأثير الزيادة الكبيرة للاستهلاك المحلي على الصادرات الجزائرية؟ هنالك منحى الإنتاج الذي يتراجع، جزء منه مصدر وجزء آخر يستهلك محليا. ومن المعلوم أن الاستهلاك المحلي يرتفع بنسبة سنوية تتراوح ما بين 7 و8 في المائة ونستهلك حوالي 37 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، ويقارب مستوى الصادرات، وسيأتي يوم سنستهلك محليا مجمل ما ننتجه، فما الذي سيبقى للتصدير؟ فالمخزون أو الاحتياطي يتراجع والاكتشافات الجديدة لا تعوض ما نستهلكه ومنحى الإنتاج في تراجع، مقابل ارتفاع كبير للاستهلاك المحلي.. فهنالك خطر، ومن الممكن إذا تواصل الوضع على حاله أن نتحول إلى مستوردين، فإذا لم نبذل جهودا لاكتشاف بترول وغاز بكميات مهمة ومعتبرة، فما اكتشفناه كميات متواضعة، وإذا لم يتغير الوضع فإنه في غضون 2026 سنبدأ في تقليص التصدير ونوقفه في 2030 وفي غضون 2036 يمكننا أن نصبح مستوردين إذا تواصل الوضع على حاله. ففي غضون 2026، أي بعد عشرية وفي حال بقاء الوضع على حاله يمكن أن تصبح صادراتنا لاشيء تقريبا، ونصبح بين إشكالين إما أن نصدر أو نلبي حاجيات السوق المحلي، في ظل سياسة غير مرنة وغير لينة معتمدة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات