لم أتناول قضية قتل الأطفال في الجزائر ليس لأن الحدث لم يحركني، ولكن فعلت ذلك حتى لا أنجرف مع التيار الجارف الذي يترك أصل الظاهرة ويتحدث عن النتائج.كل الناس يعرفون أن قاتل الطفلة نهال ليس مجنونا. والدليل على ذلك أنه استعمل كل الحيل العقلية كي يخفي جريمته عن الناس والأمن والقانون.. وهذا معناه أن الأمر لا يتعلق بحالة مرضية، بل يتعلق بأسباب أخرى لا نعرفها.السؤال المطروح هو: لماذا يصفي هؤلاء حساباتهم مهما كان نوعها على حساب البراءة وعلى حساب القانون والأخلاق والقيم التي يقدسها المجتمع الجزائري والسبب واضح؟! لأن القانون والأخلاق في الجزائر تم تعطيل العمل بهما منذ ربع قرن تقريبا، ولهذا ظهرت مثل هذه الظواهر.. فكل الناس لاحظوا أن العمل بالقانون والأخلاق تراجع أمام ظاهرة العمل خارج القانون وخارج الأخلاق والقيم.. وأن قانون القوة والغصب هو الذي حل محل قانون الدولة وأخلاق المجتمع. فأصبحت المافيات هي التي تسن قوانينها وتطبقها باسم الدولة؟! انظروا إلى النتائج الحاصلة في التربية الوطنية عندما عمد هؤلاء المعتوهون منذ عشرين سنة إلى تعطيل التربية الدينية والمدنية والأخلاقية في المدارس، باسم محاربة الإرهاب.. فتم خلخلة القيم الأخلاقية في المجتمع، وظهرت مثل هذه الظواهر الغريبة عن بلدنا في سياق تحديث المدرسة على الطريقة البن غبريطية!في الجزائر أصبحت السرقة قفازة وليست معرة.. وأصبح التزوير والسطو على أصوات المواطنين حماية للوطن من الهمج الأخلاقي! وبات الخروج عن الدستور وخرقه سياسة رشيدة؟! هل بقي بعد ذلك من يتحدث في الجزائر عن الأخلاق والقانون وعن القيم؟! أليس في ظل هذا يصبح قتل الأطفال بهذه البشاعة مسألة عادية أيضا؟!بلدنا عطّل فيها الفساد والرداءة العمل بكل القيم والقوانين والأخلاق.. فأصبح المجتمع يمارس أفراده قانون الغاب في تصفية الحسابات بين الزمر والجماعات وحتى الأفراد خارج المؤسسات الشرعية، وخارج القانون. عندما تم تعطيل علاقة الشعب بالمؤسسات وتم تعطيل أداء هذا المؤسسات لفائدة العصب والأشخاص، فأصبحت تبعا لذلك تعالج المسائل في الشارع وليس في المؤسسات وكل واحد يأخذ ما يراه حقه بيده وليس بيد الدولة! تسيير البلاد بعصب الأسرة الثورية سلمنا إلى تسيير البلد لاحقا بالأسرة البيولوجية.. وهي أي الأسرة البيولوجية بصدد تسليمنا إلى الأسرة المالية الفاسدة لتسيّرنا لاحقا بقيم وأخلاق مغبرطة في التربية والقانون والمؤسسات!البلد بالتأكيد ليست لديه الشجاعة للكشف عن أصل الداء الذي ينخر جسم الأمة، والذي هو بالتأكيد ليس قتل الأطفال وانتهاك القيم والأخلاق في المجتمع.. بل الأصل هو تسيير البلد بمافيات لاأخلاقية موغلة في الرداءة، ألغت كل ما هو جميل في البلد، ونصبت مكانة كل قبيح.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات