"المعارضة مدعوة لأن تيأس من مشروع الانتقال الديمقراطي"

+ -

ما هو الموقف الأنسب.. هل مقاطعة التشريعيات أم المشاركة فيها رغم مخاطر التزوير التي تتخوفون منها بسبب قانون الانتخابات الجديد الذي تعترضون عليه؟ لو كان لي رأي مسموع لدى الأحزاب، لاستجابوا لما دعوتهم إليه حين قلت إنه يجب حرق أوراق الاعتماد أصلا في ندوة صحفية واسعة يدعى لها الإعلاميون والمفكرون والكتاب.. ويتم إعداد بيان واف وكاف نشرح من خلاله مسار هذا النظام في التعاطي مع الحريات والديمقراطية، ونبين عدم صدقه في هذا المسار وكل التجاوزات التي يقع فيها باستمرار، ونبين التجاوزات الأخيرة ونخلص بأن هذا النظام لم يصدق يوما في التوجه الديمقراطي، وهو اليوم أكثر إصرارا على تقنين التزوير وترسيمه من أي وقت مضى.. لذلك لا مصلحة في الاستمرار في الحياة الحزبية ببعدها الانتخابي في مثل هذه الأجواء، وفي ظل هذه القوانين. ولكن للأسف رأيي لم يسمع له وواضح أن من يوجد في الساحة ليسوا في مستوى إدارة الصراع مع النخب النافذة.. وللأسف مصالح وحقوق الشعب أصبحت ضائعة بين نخب مستهترة ومستغنية بالقوة التي عندها، وبين نخب في المعارضة مستضعفة لوّى أعناق معظم رجالها الطمع والعياذ بالله.بقي ما الذي يمكن فعله في المستقبل؟ هذا الموضوع طرح على مستوى هيئة التشاور والمتابعة، وقرروا السير بشكل متدرج نحو الموقف الممكن الاجتماع حوله. إذا أمكن ذلك طبعا. أنا حقيقة لا أعلق أملا كبيرا على هذا الحال ويترك الأمر في الغالب لمؤسسات كل حزب لتتخذ الموقف الذي تراه لازما ومناسبا.إذن، المعارضة في اعتقادك ليست في مستوى إدارة الصراع مع السلطة؟ لأنها على المستوى المادي لا تملك الأدوات وعلى المستوى المعنوي الكثير من قياداتها الموجودة في المسرح السياسي والحزبي يتحرك بالولاءات والمصالح الشخصية أو الحزبية أو الفئوية. وهذا من شأنه أن يضعف الساحة السياسية، لأن الناس لا تميز بين الموجودين في الساحة، فكل من زعم بأنه معارض ورفع صوته في الإعلام، يضعونه في سلة واحدة، وهكذا يضيع الصالح مع الطالح.. للأسف كل شيء في حاجة إلى مراجعة جوهرية، سواء تعلق الأمر بنا نحن في جبهة العدالة والتنمية أو التيار الإسلامي أو التيارات العلمانية أو تلك التي تدعي أنها وطنية.. الكل في حاجة لمراجعة شاملة وعميقة.. لأن الدولة الجزائرية أصلا لم تبن منذ الاستقلال على الأسس الصحيحة والسليمة، وللأسف سارت بعد ذلك على هذا المنطق، لذلك تلاحظ فشلا على كل المستويات وتدهورا في كل الأوضاع وعدم استعداد النخب الحاكمة لسماع أي نصح، مهما كانت قيمته. وكما يقول المثل الشعبي “الركبة كانت مايلة” من أول مرة..على ضوء ما تقولون.. هل أنتم بصدد مراجعة موقعكم في تكتلات المعارضة لأنها لم تكن بالقوة التي تأملون فيها؟ ليست أمامنا خيارات واسعة على الرغم من أننا نمتلك رؤية واضحة.. أنا من طبعي أنني لا أريد أن أكون سببا في انطفاء الأمل في نفوس الناس، وكلما انقدح بريق من الأمل ولو كان بسيطا -حتى ولو كنت على المستوى الشخصي لا أرى فيه أملا- أشجع ذلك وأقول توكلوا على الله لا أثبطكم.. ثم يحدث بعد ذلك أن يدرك الكل بعد حين أنهم كانوا يجرون وراء السراب.. هذه عموما خلاصة تجارب التنسيق مع الأحزاب منذ بداية الانفتاح السياسي.. لا أمل يرجى مطلقا لأنه ليست للسلطة إرادة سياسية إيجابية في التعاطي مع مقترحات المعارضة.. والمعارضة ليست على استعداد لتضحي بكل شيء من أجل المبدأ.ما الذي كان بوسع المعارضة أن تفعله ولم تفعله في اعتقادك؟ مثلا الاقتراح الذي تقدمت به أن كل الأحزاب تجتمع على صعيد واحد وتخير النظام بين الاستجابة وإلا حرق أوراق اعتمادها أو ردها للداخلية.. هذا اقتراح عملي قوي جدا قد لا تستجيب له السلطة، لكنه يعريها ويكشفها قطعا في الداخل والخارج أيضا الذي تراعيه وتعمل له ألف حساب. لماذا لا تقدم الأحزاب المنخرطة تحت عنوان المعارضة على هذه الخطوة؟ لأن ثمة حسابات ضيقة.. النظام يدرك هذا الضعف ولذلك يتمادى أكثر فأكثر في عدم الإصغاء للمعارضة والسير ضد مرادها.. قانون الانتخابات الجديد والهيئة المستقلة وضعا كرد فعل ضد مسار المعارضة منذ 2014.. لسان حال النظام يقول أنتم تنسقون وتطالبون بإصلاحات ضدي، سوف أؤدبكم إذن.. هم قد لا يصرحون بهذا في العلن، لكن هذه حقيقة دوافعهم في الخفاء..لدينا إذن سلطة لا تتصرف مع المعارضة كمؤسسة دستورية، وإنما تتعاطى مع المعارضة بعقلية العدو، وبما أن من في السلطة يملكون القوة، يتعاملون مع من يرونه عدوهم بمنطق الإبادة والإذلال والإهانة. وما دامت هذه الخلفية هي المحركة للنخب الحاكمة، فلا تنتظر خيرا أبدا يأتي منها على الشعب، ومن باب أولى على المعارضة، لا في صورة قوانين ولا مراسيم ولا في أي شكل من الأشكال، بل لا تتوقع منهم إلا السوء وأنهم سيمضون بعيدا كلما استطاعوا في الساحة السياسية والإعلامية، كما تحكموا في الثروة ومؤسسات الدولة العصبية، الجيش والأمن والإدارة وغير ذلك..حرق أوراق الاعتماد هو موقف يترتب عنه بالضرورة مقاطعة الانتخابات في هذه الحالة..؟ حرق أوراق الاعتماد هو الأقوى، والأقل منه هو الاتفاق على المقاطعة وتدعو الشعب أيضا ليعتصموا ببيوتهم يوم الانتخابات. هذه اقتراحات عملية. يجب أن تمارس المعارضة ما تستطيع من ضغط على النخب الحاكمة التي بينت أنها مستهترة ومهينة للآخرين.هل نفهم من ذلك.. أن عبد الله جاب الله مقاطع للانتخابات؟ أنا الانتخابات لا تعنيني على المستوى الشخصي.. وعلى مستوى الحزب لم تناقش المسألة لحد الساعة.. هذا موضوع تدرسه المؤسسات في الوقت المناسب وتتخذ الموقف الذي تراه.هناك من يجد تبريرات لقرار المشاركة داخل المعارضة من باب أنه نوع من المقاومة السياسية ومحاربة للنظام من داخل مؤسساته.. هل هذا المنطق يستقيم في رأيك؟@ موجود هذا الرأي.. حتى في داخل حزبنا من يرى هذا الرأي وهو ليس جديدا.. كان هذا الرأي منذ بداية السير في التعددية السياسية.. لكن هذا الرأي قد يخدم الحزب خدمة جزئية، لكنه لا يخدم المسار الديمقراطي التعددي.. لما تفكر الأحزاب بمنطق المصلحة الضيقة، فأي نافذة تترك لها من طرف النظام تستغلها. الدخول إلى البرلمان ليس محاربة للنظام، فهو ينطوي على مصلحة حزبية بالتأكيد، وهناك فرصة لا أنكرها لمن كان نشطا من النواب ليقدموا خدمات واسعة لكثير من الناس أو يكشفوا أكثر مساوئ النظام والعيوب التي تأتي منه.ما هو أثر المشاركة والمقاطعة على مشروع الانتقال الديمقراطي في نظركم؟الانتقال الديمقراطي.. هذا مشروع برأيي أن المعارضة مدعوة لأن تيأس منه.. في هذه الظروف لن يكون هناك انتقال ديمقراطي.. هذه الفكرة قد تعود للطرح مستقبلا إذا تحسنت ظروف وأوضاع المعارضة وظهرت معطيات جديدة، ربما يصير لمثل هذا الطرح قيمة ومكانة.. لأنها فكرة غير واردة تماما على أجندة النظام الذي لا يؤمن أصلا بوجود حاجة للانتقال الديمقراطي.ماذا نفعل إذن بمبادرة مازافران؟ هذا كان جهدا لتبرئة الذمة أمام الله وأمام الشعب الجزائري.. حتى لا يسجل على المعارضة أنها سكتت في مرحلة من المراحل واستسلمت للأمر الواقع. أنا لا أمل لي في النخب الحاكمة، هم حملة مشروع علمنة وتغريب وفساد وإفساد.. لكن هذا لا يعني أن الإنسان ينكفئ على ذاته وينعزل، ولا بد أن يستمر في قول ما يراه مفيدا ونافعا..ما هي معالم مشروع “العلمنة” الذي تتحدثون عنه؟ هناك مؤامرة على التربية الإسلامية.. النظام محارب للإسلام في بعده الشمولي ويتبنى إسلاما بمفهومه الطرقي الصوفي، لأنه مفهوم قائم على الفهم الكنسي للدين، أما الإسلامي بمفهوم القرآن والسنة، فهو محارب له، لذلك يعطل العمل بالشريعة ولا يلتفت إلى الشرع في أي قانون من القوانين، ومحارب للشريعة في منظومته الإعلامية والتربوية.كيف يكون النظام محاربا للإسلام وهو يبني جامعا أعظما بملايير الدولارات؟ هو مجرد هيكل.. لا تنس أننا في بلد مسلم وشعب مسلم.. النظام لا يرفض الإسلام كعنوان، ولكنه يرفضه كمحتوى.. وفي العموم، السلطة لا تبني المساجد، فتمويل معظمها يكون عبر تبرعات المواطنين.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات