38serv

+ -

يتفاجأ الكثير من الجزائريين بمطاردة السلطات الأمنية، حتى بعد أن صدرت أحكام نهائية في حقهم، سواء بالبراءة أو باستنفاد عقوبة السجن النافذ وغير النافذ والغرامات المالية؛ لأن أسماءهم لا تزال ضمن قائمة المبحوث عنهم، فمراد اعتقله أفراد الشرطة من مقر سكناه بعد شهر من خروجه من السجن، والشيخ محمد تحوّلت فرحة العمرة إلى نكسة بمنعه من مغادرة التراب الوطني بسبب قضية فصلت فيها العدالة قبل 10 سنوات، وآخر تبخر حلم سفره إلى أمريكا في بهو المطار؛ والسبب قضية فصلت المحكمة فيها قبل 4 سنوات. أمثال الحاج محمد ومراد وغيرهما يعدّون بالآلاف ممن ضاعت حقوقهم المشروعة وزجّ بهم في الزنزانات بسبب أخطاء “تافهة” وغياب التنسيق بين أجهزة القضاء والسلطات الأمنية التي تتولى مهام التنفيذ.خرج من السجن فوقع في بابهتفاجأ “مراد.ص” صباح 25 ماي الماضي بانتشار أفراد الشرطة أمام مقر سكناه لإلقاء القبض عليه، ولدى محاولته الاستفسار عن الموضوع أخبروه أن الأمر يتجاوزهم وبأن قرار الاعتقال صدر من طرف وكيل الجمهورية لمحكمة الشراڤة، تطبيقا لقرار المحكمة الصادر يوم 1 مارس 2016، والقاضي بإيداعه الحبس لاستنفاد عقوبته المتمثلة في سنتين سجنا نافذا وغرامة مالية بتهمة امتناعه عن دفع نفقة طليقته.استغرب مراد من الأمر، وحاول شرح وضعيته لأفراد الشرطة وقدم لهم جميع الوثائق التي تثبت براءته، بحكم أنه دخل السجن في اليوم نفسه الذي أصدرت المحكمة القرار في حقه، ومكث في السجن مدة 30 يوما، ونجا خلالها من الموت الحقيقي بأعجوبة إثر سقوط جزء كبير من سطح القاعة رقم (7ب.إ.آس) فوق فراش نومه جراء سقوط الأمطار، ولحسن حظه كان في تلك اللحظة يصلي صلاة الفجر، إلا أن أفراد الشرطة الذين قصدوا مقر سكناه للقبض عليه، لم يعترفوا لا ببطاقة الخروج من السجن ولا بقرار المحكمة النهائي، بل أصروا على اعتقاله تطبيقا لأوامر وكيل الجمهورية.يقول مراد “وجدت نفسي من جديد بين أربعة جدران داخل زنزانة بمركز الشرطة في انتظار مصير غامض”، وأضاف: “تم نقلي بعدها مكبلا إلى وكيل الجمهورية لمحكمة الشراڤة، الذي سلمني وثيقة الكف عن البحث”، ومن ثم وجد نفسه مجبرا على الجري بين أروقة المحاكم ومكاتب مراكز الشرطة لحذف اسمه من قائمة المبحوث عليهم.الزنزانة عوض أداء مناسك العمرةأخطاء القضاء وغياب التنسيق بينها والسلطات الأمنية أرهقت الآلاف من المواطنين، مثلما هو الحال بالنسبة للشيخ “محمد.م” 65 سنة، الذي لم تدم فرحة سفره لزيارة مكة المكرمة طويلا، بل انتهت عند مطار هواري بومدين الدولي بالجزائر العاصمة وتحوّل الوجهة إلى الزنزانة، بعد منعه من مغادرة التراب الوطني بحجة أنه محل بحث السلطات الأمنية.يقول أحد أفراد شرطة الحدود في حديثه إلينا حول الحادثة التي كان شاهدا عليها: “لم أجد العبارات لإخبار الشيخ بأنه يتعذر عليه السفر خارج الوطن”. والسبب، حسب رجل الأمن، هو صدور أمر بالتوقيف في حق السيد محمد قبل أكثر من 8 سنوات من تاريخ محاولة السفر، وسبق وأن أصدرت المحكمة قرارها النهائي وأثبتت براءة المتهم، لكن اسمه لم يحذف من نظام المعلومات لدى المديرية العامة للأمن الوطني. وبالتالي، استعصى على الشيخ محمد السفر إلى أراضي المملكة العربية السعودية، وتم تحويله من المطار إلى مركز الشرطة للتحقيق معه، وفي الأخير أفرجوا عنه وطالبوه بإجراءات ماراتونية لحذف اسمه من برنامج المعلومات للشرطة، وهو الأمر الذي يتطلب مدة زمنية قد تصل إلى ستة أشهر، بغض النظر عن الخسارة المالية التي مني بها جراء إلغاء رحلته، وإفساد فرحة زيارة بيت الله.حلم الهجرة إلى أمريكا يتبخر في المطارولم يختلف الأمر كثيرا مع الشاب الهادي مفتاح، 29 سنة، فبسبب خطأ تبخر حلم مستقبله في مطار هواري بومدين الدولي بالجزائر العاصمة، بعد منعه من مغادرة التراب الوطني للعيش في الولايات المتحدة الأمريكية رفقة باقي أفراد عائلته.يقول الشاب الهادي متحسرا عن الفرصة الذهبية التي ضاعت منه بسبب تهاون السلطات بإكمال الإجراءات القانونية اللازمة: “منذ 8 سنوات وأنا أنتظر رد السفارة الأمريكية في الجزائر حول طلبي للالتحاق بباقي أفراد عائلتي المقيمين في أمريكا”، وتابع “وبعد كل تلك المدة من الانتظار، جاء الرد بالقبول واستفدت من تأشيرة إقامة صالحة لمدة 6 أشهر قابلة للتجديد، لكن تعذر علي مغادرة الجزائر نظرا لارتباطات شخصية، في مقدمتها رعاية جدتي المسنة التي تدهورت حالتها الصحية، فقررت التريث مادامت التأشيرة صالحة لمدة 6 أشهر”.تعافت جدة الهادي من مرضها وتفرغ لانشغالاته الشخصية وباع سيارته وباقي ممتلكاته وقرر الهجرة إلى ما وراء المحيط الأطلسي، فاشترى تذكرة سفر وتوجه نحو مطار الجزائر الدولي، لكن الصدمة كانت كبيرة عندما وجد نفسه مكبلا واقتيد إلى مركز الشرطة بالمطار، بحجة أنه محل بحث السلطات الأمنية، في قضية فصلت فيها العدالة سنة 2012، إلا أن الشرطة لم يصلها إشعار بالكف عن البحث.“كانت جميع الوثائق التي تثبت براءتي بحوزتي، وقدمتها لأفراد شرطة الحدود، لكنهم لم يعيروها أي اهتمام وتم أخذي إلى مكتب الشرطة للتحقيق معي، وبالطبع الطائرة غادرت الجزائر، ومن ثم وجدت نفسي مكبلا بالأصفاد كالمجرم، ليتم تحوّلي إلى زنزانة بمركز الشرطة التابع للمطار الداخلي”.قضى الهادي تلك الليلة البيضاء في الزنزانة، وفي اليوم الموالي أطلق سراحه من طرف وكيل الجمهورية بعد أن عرض عليه جميع الوثائق التي تثبت براءته، وتسلم وثيقة الكف عن البحث، لينطلق في سباق مع الزمن لحذف اسمه من قائمة المبحوث عنهم قبل انتهاء مدة صلاحية التأشيرة التي لم يبق لها سوى أيام معدودة.ولسوء حظه، جرت الرياح بما لا تشتهيه السفن، وتصادفت تلك الفترة مع عطلة 5 جويلية وتلاها عيد الفطر في 6 من الشهر نفسه، وشلت جميع أجهزة الدولة لمدة 6 أيام، كانت كافية لانتهاء مدة صلاحية التأشيرة، ليتبخر حلم السفر للعيش في أمريكا رفقة باقي أفراد عائلته، ووجد نفسه مجبرا على التقدم من جديد بطلب إلى السفارة الأمريكية والانتظار ربما سنة أو سنتين أو أكثر... للرد عليه وفق الإجراءات القانونية.وعاش بشركة سونلغاز السيناريو نفسه، حيث اعتقل من الفندق الذي كان يقيم فيه بالعاصمة، عندما كان في مهمة عمل أرسل فيها من طرف الشركة، فوجد نفسه يخضع لتحقيقات مكثفة من أفراد الأمن، ليتذكر في الأخير أنه كان متابعا في قضية قديمة قبل 4 سنوات، وحكم عليه بسنة سجنا نافذا، وصدر في حقه أمر بالقبض، قبل أن يطعن في قرار المحكمة ويستفيد بعدها من حكم جديد بالسجن غير النافذ وغرامة مالية.الأستاذ بوجمعة غشير“هناك حالات بمعطيات قديمة لم يتم تحديثها منذ 10 سنوات” اعتبر الأستاذ بوجمعة غشير أن موضوع نقص التنسيق بين الجهات الأمنية والجهات القضائية، مطروح بشكل كبير وعلى عدة مستويات وجهات، موضحا أنه على كلتا الجهتين ومن أجل ضمان حقوق المواطن، تحديث المعطيات بشكل دوري ومستمر.ذكر الأستاذ بوجمعة غشير أن موضوع بقاء أوامر القبض والبحث ضد أشخاص معيين، كان جاريا التحقيق بشأنهم في وقت معين، الصادرة عن أوامر قضاة التحقيق أو الأحكام الغيابية، لا يزال مطروح وتتقيد به المصالح الأمنية، رغم أن الشخص المعني قد صدر في حقه حكم بالبراءة أو الإدانة، مشيرا في السياق ذاته إلى أنه هناك العديد من الحالات والقضايا التي تخضع للتحقيق ويكون فيها المتهم غائبا، حيث يصدر في حقه أمر بالقبض أو الإحضار في مرحلة معينة ويحّول إلى المصالح الأمنية، إلا أن القضايا ذاتها تتطور وتكون فيها مستجدات، تؤدي إلى معالجة القضية بعد تقدم المعني لدى القضاء ويصدر في حقه حكم أو إخلاء سبيله ويوزع قرار التوقيف عن البحث أحيانا في الجهة التي حوكم فيها، إلا أنه يتم القبض عليه في ولاية أخرى بسبب سوء توزيع القرار. وأكد الأستاذ غشير أن المرحلة الحالية تتطلب التنسيق، إلى جانب الفعالية المطلوبة في توزيع الأوامر القضائية والهيئات، حيث لا تزال الكثير من الحالات بمعطيات قديمة وتعود لقرابة 10 سنوات، حيث لم تخضع للتحديث وتؤثر على أشخاص حوكموا وأصدرت النيابة أوامر بالكف عن البحث، حتى أن توزيع أوامر الكف عن البحث لا توزع على كل المستويات من قبل المصالح الأمنية وتبقى في جهة معينة.ويرى المتحدث ضرورة التقيد بنظام الإعلام الآلي، حيث لا يجب الاعتماد على الطرق التقليدية والمراسلات العادية، وإنما التوجه نحو وضع قاعدة معطيات وطنية تتعلق بالأشخاص المقبوض عليهم لدى الجهات الأمنية، وعلى هذه الأجهزة أن تقوم بتحديث معلوماتها بطريقة دورية، حتى لا نقع في مثل هذه الأمور والحالات.الأستاذة كريكو كوثر“يجب خلق قاعدة معطيات موحدة للتبادل بين الجهة الأمنية والقضائية”أكدت المحامية والناشطة الحقوقية كوثر كريكو، أن قضية غياب التنسيق بين المصالح الأمنية والنيابة في صدور أوامر الكف عن القبض، واقع لا يمكن الهروب منه، وهناك حوادث وقعت في هذا الجانب أدت إلى معاناة المواطنين، وأحيانا كسر حق دستوري، وهو حق التنقل، موضحة أن الخلل إداري يمكن معالجته.وكشفت الأستاذة كريكو أن الدفاع في هذه الحالات يجب أن يؤدي دوره ويرجع إلى النيابة العامة من أجل الحصول مرة أخرى على أمر الكف عن البحث بعد صدور العقوبة أو البراءة، مؤكدة في الموضوع نفسه أنه ورغم إظهار المعني استمارة الكف عن البحث من قبل النيابة العامة، سواء في صدور أمر بالقبض أو أمر إيداع وبحكمه الصادر في حقه وتسويته لوضعه، على مستوى المطارات المواني أو الحدود أو أثناء القبض عليه داخل الوطن، إلا أن المصالح الأمنية لا تتقيد بهذه الوثيقة، كون اسم المعني لا يزال أمر القبض عليه مذكورا لديها من قبل المديرة العامة للأمن، موضحة أن هذا الإشكال موجود على المستوى الوطني، كون حالات استفادت من البراءة تم القبض عليها بعد سنوات من الغياب عن الوطن.وترى المتحدثة أنه يجب إخطار الكف عن البحث على مستوى المديريات العامة في العاصمة، هذه الأخيرة التي يجب أن تقوم بتحديث معلوماتها. كما أن هذه الأخيرة تأخذ وقتا طويلا ما بين الإخطار ومسح الأشخاص من قائمة المبحوث عنهم، كون شبكتها تضم 48 ولاية لا يمكن من خلالها التحكم في جميع الملفات والقضايا المطروحة على العدالة، حيث ترى ضرورة إيجاد حل من قبل الجهة الأمنية في التأكد من حقيقة الوثيقة عن طريق الهاتف من الهيئات الرسمية، موضحة أن هناك حلولا يمكن بها تخطي هذه العقبة، في انتظار استكمال عصرنه العدالة عن طريق وضع “إخطار جديد” من قبل القضاء بواسطة الإعلام بقاعدة معطيات موحدة وتبادل المعلومات مع الأمن، لضمان حرية التنقل للأشخاص وفق الحق الدستوري المكفول لهم.الناشط الحقوقي، طارق مراح، لـ“الخبر”“غياب التنسيق بين الأمن والقضاء خرق لقاعدة دستورية”انتقد المحامي والناشط الحقوقي، طارق مراح، غياب التنسيق بين الأجهزة القضائية والسلطات الأمنية بمختلف أسلاكها، واعتبره خرقا واضحا لقاعدة دستورية ولحقوق الإنسان ولحرية تنقل الأفراد.وأوضح مراح في اتصال هاتفي مع “الخبر”، أنه في الكثير من المناسبات يتعرّض المواطن البريء إلى مضايقات من طرف السلطات الأمنية على مستوى المطارات والمراكز الحدودية، وحتى في الفنادق، وفي أغلب الأحيان يتم اعتقالهم وإخضاعهم لتحقيق يدوم أكثر من 24 ساعة، وذلك لأن أسماءهم لم تحذف من قائمة المبحوثين عنهم، رغم أن القضاء فصل في قضاياهم منذ سنوات.  واعتبر محدثنا هذه المضايقات المتكررة في آلاف المناسبات خرقا لقاعدة دستورية، تتسبب في الكثير من المشاكل وينتج عنها ضياع حقوق الفرد وحرمانه من حرية التنقل. وتساءل الناشط الحقوقي “لماذا عندما تصدر المحكمة أمرا بالقبض في حق شخص ارتكب جرما ما، يتم إرسال اسمه إلى الجهات الأمنية في ظرف وجيز لا يتعدى الساعات؟ أما في حال تبرئته وحصوله على وثيقة الكف عن البحث من طرف وكيل الجمهورية، فلا يلغى اسمه من القائمة وقد يتطلب الأمر سنوات؟”. ودعا المحامي جميع الجهات المعنية، من الناشطين في حقوق الإنسان والمنظمات الوطنية والدولية والسلطات الرسمية، إلى تسليط الضوء على الموضوع وفتح مجال للنقاش على طاولات مستديرة للضغط على أصحاب القرار من أجل تدارك أخطائهم ومنح الأفراد حقوقهم المهضومة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات