نواد مفلسة في تربصات سياحية بالخارج

38serv

+ -

لم تعد النوادي الجزائرية تخضع لأي منطق في ظل الفوضى السائدة في عالم احتراف الكرة في الجزائر، فهي نواد مفلسة رياضيا واقتصاديا وفاقدة لأي مشروع أو استراتيجية، ومع ذلك، فهي تثقل كاهل الجزائر بحجم ديونها المتراكمة من موسم كروي لآخر،سواء بالعملة الوطنية أو بالعملة الصعبة، دون أن تجد من يضعها عند حدها. انتشار “موضة” التنقل خارج الوطن قبل بداية كل موسم كروي أو خلال فترة توقفه في ديسمبر، يثير عدة تساؤلات اليوم حول خلفيات عزوف النوادي الجزائرية عن اختيار المراكز التحضيرية الجزائرية أو فنادقها، رغم أن البقاء في الجزائر يضمن أكثر راحة أو أفضل خدمات أحيانا من الفنادق السياحية التونسية أو حتى مراكزها التحضيرية. ويبقى التساؤل مشروعا حين يتم إسقاط حتى الأسباب المناخية التي لا تختلف، مقارنة بالمغرب وتونس، عن الأجواء في الجزائر.وما يدفع اليوم للوقوف عند “ظاهرة” خيار الوجهة الأجنبية، أن إجراء التربصات خارج الوطن لم يعد “بريستيج” بالقدر الذي يعتبر فيه تسيبا وتبذيرا للمال ورغبة في ضمان رحلات سياحة باسم التحضيرات الرياضية، خاصة أن أحد أكبر النوادي الجزائرية، ونقصد بذلك مولودية الجزائر، أثبت بأنه فريق بعيد عن كل مقومات الاحتراف، بعدما انتشرت “فضيحة” إلغاء مباراتيه الوديتين في تونس أمام الترجي والإفريقي.ويكشف الإلغاء أن نادي مولودية الجزائر ليس بالفريق المحترف المهيكل الذي يستجيب للمقاييس ويستحق إجازة النادي المحترف التي سينالها من “الفاف” من أجل المشاركة في المنافسة القارية، لأن أي ناد محترف وجدير بهذا الاسم، يحضر لتربصه خارج الوطن ثلاثة أشهر على الأقل قبل الموعد، من خلال تكليف المناجير العام للفريق بإبرام عقد مع أي مناجير مكلف بتنظيم التربصات، ويضم العقد كل التفاصيل حتى المبيت والإقامة والملاعب التي تحتضن التدريبات، وموعد المباريات الودية ومكان إقامتها وموعدها وساعتها، والنوادي المقرر مواجهتها، على أن يتم تدوين شرط جزائي في حال إخلال أي طرف ببنود العقد، أو في حال تراجع أي فريق آخر عن الالتزام بذلك.ما حدث لمولودية الجزائر وحدث لعدة أندية جزائرية في السابق من “احتيال”، مؤشر قوي على أن التنقل إلى الخارج لإقامة التربصات لا يندرج إطلاقا في استراتيجية مدروسة ومحددة الأهداف، كون النوادي الجزائرية تفتقد إلى بعد نظر يرشحها لأن تخطط وتبرمج نشاطاتها لأكثر من تحضير يوم المباريات الرسمية، وهو واقع يجعل هذه النوادي، التي تستنزف من المال العام ويرفض مسؤولوها التنحي عن مناصبهم على مستوى شركات رياضية تعتبر اليوم بمثابة مناجم ذهب لهم ومصدر ثروة لا تخضع لأي رسوم أو محاسبة، عبئا ليس على كرة القدم أو الرياضة الجزائرية، إنما على الاقتصاد في حد ذاته.وبلغة الحسابات، فإن فريقا واحدا يكلف، خلال تربصه خارج الوطن، ما لا يقل عن مليون سنتيم للفرد الواحد ولليوم الواحد، وبوفد يضم 30 عضوا وفي مدة 15 يوما على الأقل، فإن الفريق الواحد يكلف نحو 450 مليون سنتيم على الأقل، وباحتساب 32 فريقا، فإن التكلفة تبلغ على الأقل 15 مليار سنتيم، دون احتساب تكاليف التنقل وغيرها من المصاريف الأخرى، وعند إعادة برمجة نفس التربص في ديسمبر، فالفاتورة ستتضاعف، ما يخدم مصلحة البلدان التي تستقبل “النوادي السياحية” الجزائرية، ويعود بالفائدة على اقتصادها دون أن يكون لخيار الوجهة الأجنبية أي أثر على الجزائر كرويا أو اقتصاديا أو سياحيا.ويبقى التساؤل مشروعا أيضا عن الثمن الحقيقي الذي تسدده النوادي بالعملة الصعبة في عز التقشف الذي تعيشه البلاد، ولو أن أي تربص خارج الوطن، يفترض من الناحية القانونية، أن يسبقه طلب من النادي إلى وزارة الشباب والرياضة مرفوقا ببرنامج مفصل يشرح من خلاله الفريق كل المصاريف المقررة، حتى يتم التأشير على الملف ليقدمه النادي لبنك الجزائر الخارجي للاستفادة من العملة الصعبة.النوادي تفضل الفنادق التونسية على المراكز الجزائرية تدير النوادي الجزائرية منذ عدة مواسم الظهر لعديد المراكز التحضيرية المنتشرة عبر ربوع الجزائر، رغم أن بعضها يتوفر على كل شروط إجراء تحضيرات من أعلى مستوى، فيما تقترح مراكز أخرى ظروف تحضيرات مقبولة.عزوف النوادي الجزائرية المحترفة عن البقاء في الجزائر كل موسم من أجل إجراء التحضيرات التي تسبق انطلاق الموسم الكروي، والتنقل إلى الخارج، خاصة إلى تونس، يثير تساؤلات عديدة، خاصة أن الجزائر، من خلال مراكزها، تقدم أفضل الخدمات وتهيئ أفضل الأجواء للنوادي مقارنة بالفنادق السياحية التي يلجأ إليها هؤلاء كل مرة.وإذا كانت مراكز التحضير التابعة لوزارة الشباب والرياضة قليلة مقارنة بشساعة الجزائر والنوادي والجمعيات الرياضية الكثيرة على اختلاف اختصاصاتها الرياضية، فإنها (مراكز التحضير) قادرة على استقبال أي فريق جزائري من الرابطتين الأولى والثانية، كون عنابة تضم مركز سيرايدي، فضلا عن توفر ملعبي شابو و19 ماي 1956 على إمكانية إجراء التدريبات والمباريات، بينما يبقى مركز الباز بسطيف للرياضات الأولمبية أحد أفضل المراكز على الإطلاق، وهو الذي استقبل وفاق سطيف خلال السنة التي توج فيها برابطة أبطال إفريقيا. وفي الجنوب الجزائري، يعتبر مركز بسكرة جوهرة حقيقية، غير أن هذا المركز الجميل لم يجلب اهتمام أي ناد جزائري بحجة ارتفاع درجة الحرارة ببسكرة، وهي الحجة التي تسقط حين لا تعسكر فيه الأندية الجزائرية شهر ديسمبر خلال فترة التحضيرات للنصف الثاني من البطولة، فيما تضم ولاية البويرة مركز تيكجدة في المرتفعات، ويمكن للنوادي الجزائرية أيضا الاستفادة من إجراء التدريبات بالبويرة على العشب الطبيعي. ويعتبر مركز بسكرة مدرسة أولمبية من النوع الرفيع وبه ملعب من العشب الطبيعي، ويوفر كل شروط التحضير الجيد لأي فريق أو منتخب، فيما يعتبر أيضا المركز التقني لسيدي موسى بالجزائر العاصمة أحد أفضل المراكز التحضيرية على الإطلاق، وهو يستقبل دوما، إلى جانب المنتخب الوطني لكرة القدم، مختلف المنتخبات الوطنية، وهو يضم ملعبين من العشب الطبيعي وملاعب أخرى من العشب الاصطناعي. كما تتوفر العاصمة أيضا على مركز تحضير المنتخبات الوطنية بسويدانية، وهو مركز أيضا يمكن أن يستغله أي فريق جزائري محترف، مثلما هو الشأن لمركزي الشلف وعين تموشنت اللذين يقدمان نفس الخدمات، فيما تضمن ولايات أخرى ملاعب للنوادي الجزائرية وفنادق للإقامة، طالما أن النوادي الجزائرية تقيم في فنادق تعج بالسياح في تونس وتتدرب في ملاعب بعيدة عن مكان إقامتها.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات