+ -

المتجول في شوارع العاصمة هذه الأيام، والأكيد في باقي كبريات المدن الجزائرية، يكون لاحظ الطوابير المتشكلة أمام أبواب الوكالات البنكية في الساعات الأولى من النهار، وقبل بداية الدوام الرسمي في البنوك التي تبدأ على الساعة التاسعة إلا ربع. أما السبب فمؤكد أنه لا يتعلّق بسحب المدخرين والزبائن والموظفين أموالهم أو رواتبهم الشهرية، بل لـ “الفوز” بمنحة السياحة التي تحوّلت، جراء ممارسات بيروقراطية، إلى منحة “العار”.

 الظاهر أن الحكومة تعشق “إذلال” المواطن، بل و “تتلذذ” عندما تراه وتقرأ تقارير إعلامية تتحدث عن معاناته وتألمه، وإلا فكيف نفسّر الإبقاء على النمط التقليدي في صرف منحة السياحة التي تقدّر بـ115 أورو، ونصف القيمة للأطفال، في وقت تزيد هذه المنحة في بلدان شقيقة بعشرات الأضعاف؟ مع أن هذه القيمة لا تكفي حتى لقضاء ليلة في فندق عادي جدا بإحدى المدن الأوروبية.والأكثر من ذلك أن السلطات العمومية ظلت تدير ظهرها لعشرات النداءات والشكاوى والتقارير والمطالب التي تدعو إلى ضرورة اعتماد مكاتب صرف رسمية، ومن ثمَّ القضاء على السوق السوداء لتداول العملة الصعبة، ومنها القضاء على الأوراق النقدية المزوّرة.قبل يومين، وفي حدود الساعة الثامنة صباحا، شدّ انتباهنا طابور طويل أمام إحدى الوكالات البنكية بالبريد المركزي، قلب الجزائر العاصمة، ودفعنا فضولنا الصحفي إلى ملازمة الطابور وسرقة السمع من الذين سبقونا إلى ذات المكان. لم يكن حديثهم إلا عن الحرارة المرتفعة جدا، وعن “ندرة” في “الدوفيز” الذي “تتصدق” به السلطات العمومية لكل جزائري قرر قضاء أيام من عطلته الصيفية خارج الوطن. يقول سعيد (40 عاما) إنه لم يترك وكالة بنكية عمومية إلا زارها لعلّه يستفيد من منحة السياحة له ولأفراد أسرته، ويقول إنه في هذه الحال منذ قرابة الأسبوع، إلى أن وصل إلى هذه الوكالة البنكية العمومية، وهنا طلب منه العون المكلف بالعملية أن يترك جواز سفره على أن يعود في اليوم الموالي، لعلّ الحظ يبتسم له ويحصل على المنحة.مشهد واحد لمسرحية رديئةبقينا هناك ننتظر، وما إن فتح البوَّاب أبواب الوكالة قبل التاسعة صباحا بقليل، حتى راح الناس يتدافعون للوصول أولا إلى شباك عمليات الصرف، وهنا راح العون “يتدلل” ويطلب من “الغاشي” الوقوف في طابور، قبل أن يطلب من هؤلاء “الضحايا” الانقسام إلى فوجين، الأول خاص بالذين أودعوا جوازاتهم في اليوم السابق، والفوج الثاني لأصحاب الطلبات الجديدة.ولأن عدد “متسوِّلي” المنحة كان يتزايد بين ساعة وأخرى، تلقى المكلف بعمليات الصرف تعليمة شفوية ليبلغها لعون الاستقبال، يخبره فيها بأن يعلم الأخير الزبائن بأن عملية الصرف لن يستفيد منها إلا من سفرُه برمج بعد 48 ساعة. وهذا المشهد يتكرر تقريبا في كل الوكالات البنكية. أليست فعلا “منحة عار”؟ 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات