"الجزائر بصدد العودة إلى الأحادية ولكن برأسين"

38serv

+ -

ما هو تصوركم للموقف المناسب للمعارضة في الانتخابات التشريعية القادمة. أي الخيارات هي الأفضل المشاركة أم المقاطعة؟ من السابق لأوانه التنبؤ بأي من الموقفين سيكون له أحسن تقبل من طرف المواطن الجزائري، وأكثر صدى على الرأي العام وأنفع لمشروع الانتقال الديمقراطي. في كلتا الحالتين يتحتم على المعارضة بكل أطيافها تكثيف النقاش بينها للوصول إلى موقف موحد تجاه هذه الاستحقاقات. لأن السؤال الذي يطرح نفسه ويهم المواطن يكمن في مدى قدرة المعارضة على الوصول إلى تبني نفس الموقف وكيفية استغلاله لبناء موازين قوة جديدة لصالح الهدف الذي بنيت حوله التكتلات السياسية الحالية للمعارضة، ألا وهو الانتقال الديمقراطي.هل الظروف التي أدت بالأرسيدي إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية في 2012 لا تزال قائمة؟ الظرف السياسي الحالي مغاير تماما عما كان عليه في 2012. حيث كانت السلطة في وضع تراهن فيه على تكثيف المشاركة باعتماد عدد هائل من الأحزاب السياسية تحت ضغط الثورات الشعبية في البلدان المجاورة، محاولة إيهام الرأي العام الوطني والخارجي بالتفتح وتعزيز التعددية والحريات الديمقراطية. الوضع على كل من الصعيد الوطني والإقليمي والعالمي تغير. على مستوى الحزب هناك جيل جديد من المناضلين الشباب دخل المعركة السياسية، ويريد أن يذهب أكثر إلى الأمام. في كل الأحوال لا يتعلق الأمر بأن نكون على صواب لوحدنا، ولكن أن نصل إلى توافق وتقبل واسع لمواقفنا من طرف أغلبية القوى المعارضة والمواطن عموما.قلتم إن هناك جيلا جديدا في الأرسيدي يريد أن يذهب أكثر إلى الأمام.. هل يعني ذلك أن الاتجاه العام عند قواعد الأرسيدي اليوم هو أقرب للمشاركة منه للمقاطعة؟ شباب الأرسيدي على يقين بأن النضال طويل وأن المستقبل يبنى من اليوم. الانتخابات تبقى وسيلة وليس الهدف. المقاطعة أو المشاركة فيها مسألة تقنية تستغل من أجل التأثير على الوضع السياسي. معروف أن هذه الفئة من الشعب هي طموحة للتغيير الجذري وحتى الثوري. النقاش في الحزب لا يدور حاليا حول هذه المسألة ولكن حول طرق توسيع القاعدة الهيكلية للحزب وبناء توافق واسع للمعارضة. تجربتنا الطويلة في الميدان عن طريق هذين الموقفين علمتنا أن التسرع في أخذ القرار سيرهن النقاش والحوار مع مختلف أطراف المعارضة وسيضعف من إمكانية الوصول إلى موقف موحد.ما هي الدلالات السياسية بخصوص حزمة القوانين الهامة التي مررتها السلطة، في أواخر أيام الدورة البرلمانية الربيعية؟ كل الإشارات توحي بأن هناك تكريسا لانقلاب أبيض ودائم عن طريق هذه القوانين غير الدستورية ضد السيادة والشرعية الشعبية. فهي تكرس بوضوح إبعاد المواطنين من المشاركة الفعلية في عملية صنع القرار السياسي واختيار المسؤولين والحكام. أكثر من ذلك، فهي تمهد لإبعاد المواطن من النقاش والنضال السياسي. فهذه الحزمة من القوانين هي بوادر العودة إلى النظام الأحادي، ولكن هذه المرة برأسين، أي بحزبين يمثل كلاهما وجه لنفس الميدالية.كيف تقيمون قانون الانتخابات الجديد وقانون الهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات، علما أنكم من أوائل من نادى بحياد الإدارة في تنظيم الانتخابات؟ معلوم أن الانتخابات لكي يكون لها معنى، يجب أن تكون ديمقراطية وتنافسية لاختيار المسؤولين السياسيين على مستوى المؤسسات ومراكز أخذ وصنع القرار. وقانون الانتخابات وحده لا يكفي للوصول إلى هذا الهدف. فالهيئة المكلفة بتنظيم وتسيير الانتخابات أكثر أهمية، بما أنها هي التي يجب أن تسهر على تطبيق هذا القانون دون تحيز، وضمان تكافؤ الفرص بين القوى السياسية المتنافسة. هذا ما جعل الأرسيدي يقترح ويناضل من أجل إنشاء هيئة مستقلة لتنظيم وتسيير الانتخابات. النظام في الجزائر عمل دائما عن طريق وزارة الداخلية ومجموعات ضغط خفية على تطوير أدوات وطرق الغش والتزوير والتلاعب بالعملية الانتخابية. في الحقيقة، الجزائر لم تعرف إلى يومنا هذا أي استحقاقات أو انتخابات ديمقراطية بأتم معنى الكلمة، وهذا باعتراف السلطة ورئيس الدولة نفسه. فالقانون الجديد يكرس تراجعا كبيرا بالمقارنة مع القوانين الماضية.كيف إذن لسلطة اعترفت بأن كل الانتخابات السابقة كانت مزورة أن تأخذ كمرجعية الانتخابات الأخيرة في وضع النسبة التي تحدد للأحزاب المشاركة دخول الاستحقاقات القادمة. الجزائر مرت بكل الأنظمة السياسية ما عدا النظام الديمقراطي. فهي مرت من النظام الاستعماري إلى الأنظمة التسلطية والشمولية بأشكال مختلفة. الجزائر عرفت بالتالي الكثير من المراحل الانتقالية ما عدا الانتقال الديمقراطي الذي يضمن تقييد السلطة بدستور يخضع له الحكام والمحكومون بطريقة مماثلة ومتساوية، وإرساء نظام قضائي مستقل يصون الحريات الفردية والجماعية والحقوق الأساسية، وينظر في مدى دستورية القوانين. كل الحكام المستبدين في عصرنا هذا يلجأون إلى الانتخابات الرمزية والمزورة للبقاء في السلطة، الأمر الذي جعل المتتبعين لا يزالون يصفون هذا النظام بأنه في طريقه إلى الديمقراطية. نحن أمام ديمقراطية طال أمدها وينتظرها المواطن منذ 1962. والتدابير الأخيرة توحي كلها بأن هناك نية للخروج حتى عن النظام المبني على التعددية الحزبية الشكلية والمزيفة.صدر قانون يشدد واجب التحفظ على متقاعدي الجيش.. هل لهذا القانون في رأيكم أهداف سياسية وما هي؟ التستر وراء واجب التحفظ الموجود حتى في السابق والمعمول به عالميا للحفاظ على أسرار الدولة يراد منه ترويض كل العسكريين الذين أصبحوا لا يساندون النظام القائم، البعض لأسباب شخصية تموقعية والآخر لقناعات راسخة وتخوف على مستقبل الجزائر. الهدف المخفي هو ترهيب الناشطين السياسيين والاجتماعيين بصفة خاصة والمواطنين بصفة عامة.ما رأيكم في اتهام وزير الدفاع السابق، خالد نزار، الفريق ڤايد صالح بأن له طموحات رئاسية. هل هذا واقعي في اعتقادكم؟ المشكل ليس في أن تكون ثمة طموحات نيابية، استوزارية أو حتى رئاسية لدى المسؤولين أو المواطنين. فالترشح للانتخابات حق دستوري. المشكل في الطرق الملتوية المبنية على التحايل على القانون، الغش والتزوير، وكذا استغلال النفوذ وأموال الدولة للوصول إلى تلك المناصب على حساب السيادة الشعبية والاختيار الديمقراطي والحر للمواطن.البعض ربط إنشاء جهاز جديد للشرطة متخصص في مكافحة الإرهاب بوجود صراع في أعلى هرم السلطة بين جناح الرئاسة وقيادة الجيش.. إلى أي مدى هذا التحليل واقعي؟ كل الأجهزة الأمنية في العالم تذهب إلى التخصص في شتى مجالات الإجرام حفاظا على النظام العام وسلامة المواطنين وحماية ممتلكاتهم. وبالتالي لا يجب التشكيك إلى حد البرانويا في كل مبادرة. فيما يخص صراعات الأجنحة فهي لا تدور حول ما سميتموه جناح الرئاسة وجناح الجيش، وإنما بين تكتلات لزبائن وانتهازيين يستغلون في صراع للاستحواذ والظفر بالرئاسة في إطار حرب الخلافة. هذا الصراع يعرف مدا وجزرا كون المساندين لهذه الأجنحة ليست لهم لا قناعات ولا مبادئ.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات