أوّل إيحاءات التّرابط بين الشّرك والكفر في كلّ مكان وزمان أمام دعوة التّوحيد والإيمان، ومع أنّ الدول قديمًا لم تكن شديدة الاتصال، والأمم لم تكن وثيقة الارتباط كما هو الشّأن في عصرنا الحاضر، مع هذا فإنّ المشركين في مكّة كانوا يحسّون أنّ انتصار المشركين في أيّ مكان على أهل الكتاب هو انتصار لهم، وكان المسلمون كذلك يحسّون أنّ هناك ما يربطهم بأهل الكتاب، وكان يسوءهم أن ينتصر المشركون في أيّ مكان، وكانوا يدركون أنّ دعوتهم وأنّ قضيتهم ليست في عزلة عمّا يجري في أنحاء العالم من حولهم، ويؤثّر في قضية الكفر والإيمان.وهذه الحقيقة البارزة يغفل عنها الكثيرون من أهل زماننا، ولا ينتبهون إليها كما انتبه المسلمون والمشركون في عصر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا.. ومن ثمّ ينحصرون داخل حدود جغرافية أو جنسية أو غيرها من الحدود المصطنعة، ولا يدركون أنّ القضية في حقيقتها هي قضية الكفر والإيمان، وأنّ المعركة في صميمها هي المعركة بين حزب الله وحزب الشّيطان..وبالنّسبة للتّرابط الموجود أيضًا بين اليهود والنّصارى الّذين تحرم مودّتهم على المؤمنين، يقول تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} البقرة:120.فتلك هي العِلّة الأصيلة، وذلك هو الثمن الوحيد الّذي يرتضونه، وما سواه مرفوض ومردود، الثمن أن تتتبّع ملّتهم، وينبغي لذي الإيمان الشّامخ أن يواجه هذا الزّحف بكلّ أشكاله وألوانه ومن أيّ مصدر أتى ليهاجمه في عقيدته، أن يقف له بالمرصاد ولسان حاله {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِي} اقتداء بسيّد البشر صلّى الله عليه وسلّم حينما أرادت قريش أن يتنازل عن عقيدته يعبد أوثانهم سنة ويعبدون معبوده سنة، فأنزل الله تعالى سورة الكافرون على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمره فيها سبحانه أن يتبرّأ من دينهم بالكليّة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات