الأستاذ سعد بوعقبة السلام عليكم ورحمة الله وبعد:

+ -

فبعد قراءة مقالك (العرب ونظرية السجن الآمن للرؤساء) استوقفتني جملة من الملاحظات بدا لي أن أكتب بها إليك ثم لك أن تنشرها أو لا:١ ـ كثيرا ما تُردّد أحكاما تتسم بالسطحية والابتسار وكأنك صحفي مبتدئ رغم عراقتك في المهنة. وأتساءل هل فعلا تفكر بهذه السطحية التي يتناول بها الأميون وعجائز الريف وصعاليك المقاهي أحداث العالم المعقدة أم إنك تتعمد ذلك لتمرر موقفك وكفى لأنه يعوزك البرهنة عليه؟٢ ـ تتحدث عن غياب مصر والجزائر والعراق وسوريا واليمن وتأثير ذلك على فعالية الجامعة العربية، وكأن هذه الكيانات المذكورة (سميتها جمهوريات تحذلقا) علامة على رشادة الحكم فيها وتطورها المرموق، وما هي سوى مزارع لدكتاتوريات فاشية فاشلة تفننت في قهر شعوبها وإذلالها، وعجزت عن تنمية ورفاه مواطنيها، وانبطحت لكل من (أراد مسها) في حالة العراق وسوريا واليمن والحبل على الغارب.٣ ـ لست ذا هوى خليجي، ولا أنا بالمعجب سياسيا بهم.. ولكن انظر إلى مواطني هذه الدول التي (تعيّرها) بـ(المشيخة) في نمط عيشتهم ويسر معيشتهم وأمن بلدانهم واستقرار نظمهم وتطور تسيير شؤون بلدانهم. وانظر إلى هيمنة إعلامهم ونجاحاتهم البارزة فيه حتى عالميا (وما تجربة الجزيرة بكل لغاتها وبي آن سبور ببعيد). إمارات وممالك سلطنة حفظوا (على علاّت حكمهم) لشعوبهم تعليما راقيا، وعيشا مرفها ووسائل تكنولوجية وتطورا عمرانيا ومؤسسات إدارية إلكترونية على أحدث النظم في العالم. ثم انظر إلى خردة (جمهورياتك غير المأسوف عليها) أمن مضطرب، وانقسام وحروب أهلية، وعسكر ينقلبون على رؤساء منتخبين ليعبثوا بدولهم كالعادة، اقتصاديات قائمة على التسول من (خليج المشيخات)، ثم على نهب ما تبقى من ثروات شعوبهم، تعليم يتذيل ترتيب العالم، صحة مريضة معتلة، تخلّف إعلامي فاضح، عمران متهالك، ومدن كأنها مقصوصة من الحرب العالمية الثانية، وتسيير مال متخلف في الإدارات والبنوك والمؤسسات المختلفة.٤ ـ يمكنك يا أستاذ سعد ألا تحب الخليجيين وأن تعشق العسكرتارية البغيضة (الجمهوريات كما تسميها) فلا أحد يملك تغيير مشاعرك، ولكن لا يمكنك جحود كونهم (خليج المشيخات كما تسميهم) قد نجحوا فيما فشل فيه عسكر (جمهورياتك) أمنا وتعليما وصحة واقتصادا ورفاها اجتماعيا. نعم هم يقولون نحن أنظمة مشيخة ولا يستحون بذلك بل يعلنون به وهم به فخورون.. ولكن حدثني عن جمهورياتك البائسة! هل هي جمهوريات؟ هل فيها ديمقراطية على نحو ما تدعي هي؟ يا سيدي لنتفق هي ليست كذلك، فهل نجحت في مساعيها التنموية الشاملة؟ ودعك من حكاية أمريكا والعمالة وتلك الأسطوانة المشروخة التي مللنا منها ببساطة، لأن الولاء لأمريكا والتعاطي معها على نحو ما يفعل الخليجيون يتطلب ذكاء وحذقا ومهارة! وهذا ما ليس لطواويس جمهورياتك! ألا ترى أننا نطير فرحا ويزغرد إعلام جمهورياتك ويرقص مسؤولوها لمجرد صدور عبارة من نائب حاجب في دكان أمريكي يقول كلمه حلوة في سياسات إحدى جمهورياتك؟ هل استطاعت كيانات الجمهوريات المحنطة أن تكون عميلة لأمريكا ورفضت؟ لو نجحنا فإننا في أحسن الأحوال سنكون عملاء لفرنسا، وهي الكوخ النتن جوار الباب العالي الأمريكي الباذخ!!٥ ـ تابعتك تقول أكثر من مرة واصفا الرئيس المصري المنقلب عليه بأنه قسّم الشعب المصري! وبغض النظر عن موقفي من الإخوان ورأيي فيهم، فإن ما تسوّق له غاية في الفظاعة والانتكاس الإعلامي والفكري معا! فهل يوجد يا رجل رئيس في العالم يجمع عليه كل شعب في بلد ما؟ حتى الأنبياء والرسل لم يحوزوها! بل أكثر من في الأرض يكفرون بالله ولا يعترفون به! فهل الشعب المصري مجمع على الانقلابي السيسي أم يلعنه؟ لم لا تذكر أن أغلب المصريين أيدوا حكم الإخوان في خمس انتخابات متتالية؟ لِم لا تذكر أن مرسي (أول رئيس منتخب منذ الفراعنة) مدّ يده لكل خصومه بدءا بالعسكر والأقباط ولكنهم عضّوها بالتآمر عليه؟ لم لا تذكر أن مرسي لم يسفك دم متظاهر ضده ولا سخّر عليهم الأمن أو العسكر؟ هل تدري كم قتل السيسي من مواطنيه الذين خرجوا اعتراضا على الانقلاب في وضح النهار في ساحات مصر أمام الكاميرات؟ هل تدري كيف حوّل السيسي مصر إلى سجن رهيب للمصريين؟ هل تدري أن في مصر قوانين تمنع التظاهر ضد النظام وتعتبر ذلك جريمة يحاكم عليها فاعلها؟ هل يعني في عرفك أن المواطنين الذين لا يرضون بحكم حاكم ما، عليهم أن يستدعوا العسكر لينقلبوا عليه؟ هل هذا ما ينبغي أن يحصل في فرنسا ضد هولاند، لأن ٦٥ بالمائة لا يؤيدونه حسب سبر الآراء الأخير؟ أي معيار تعتمده حضرتك في مثل هذه المواقف والأحكام: الكراهية؟ يمكنك أن تكره الإخوان وتكره مرسي قدر ما تشاء مثل كثير من الناس، ولكن ليس لمثلك فقدان الرجاحة لاتخاذ الموقف الصواب حتى مع الخصوم، كما عهدنا بعضا من ذلك عندك.٦ ـ أليس من الدرس البليغ لك ولنا جميعا كيف وقف العلماونيون المتطرفون في تركيا إلى جانب حكومتهم ضد بعض عسكرها المنقلبين، ولم يجرمنّهم شنآن قوم على اتخاذ الموقف العدل؟٧ ـ وأخيرا، فليس من أمل في الجامعة العربية وحال مكوناتها كما ترى سوى بنضالات أبناء الأمة بلا نفاق، واختيار الموقف الصواب ولو كان صعبا مكلفا.. فلقد طال الثواء في هذا الكهف العربي الغائر المليء بالقهر والظلم وبالنفاق كثيرا.أحمد بن روانيا روان حجتك قوية .. يعطيك روينة تحلّي بها فمّك في هذا الصيف الحار.

[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات